مؤلفة من أجرام صغار صلبة منبثة في خلاء غير متناه ، وهي متشاكلة الطبائع مختلفة الأشكال دائمة الحركة ، فاتفق أن تصادفت منها جملة اجتمعت على هيئة خاصة ، فكان هذا العالم ، ولكنه زعم أن كينونة الحيوان والنبات ليس باتفاق . ونسب إلى أنباذقلس [1] أن تكون الأجرام الأسطقسية بالاتفاق ، فما اتفق منها أن اجتمعت على نحو صالح للبقاء والنسل بقى ، وما اتفق أن لم يكن كذلك لم يبق وتلاشى . وقد احتج على ذلك بعدة حجج [2] . الحجة الأولى : أن الطبيعة لا روية لها ، فكيف تفعل فعلها لأجل غاية ؟ وأجيب عنها [3] : بأن الروية لا تجعل الفعل ذا غاية ، وإنما تميز الفعل من غيره وتعينه ، ثم الغاية تترتب على الفعل لذاتها لا بجعل جاعل ، فاختلاف الدواعي والصوارف هو المحوج لأعمال الروية المعينة ، ولولا ذلك لم يحتج إليها ، كما أن الأفعال الصادرة عن الملكات كذلك ، فالمتكلم بكلام يأتي بالحرف بعد الحرف على هيئاتها المختلفة من غير روية يتروى بها ، ولو تروى لتبلد وانقطع عن الكلام . وكذا أرباب الصناعات في صناعاتهم لو تروى في ضمن العمل واحد منهم لتبلد وانقطع . الحجة الثانية : أن في نظام الطبيعة أنواعا من الفساد والموت ، وأقساما من الشر والمساءة في نظام لا يتغير عن أسباب لا تتخلف ، وهي غير مقصودة للطبيعة ، بل لضرورة المادة ، فلنحكم أن أنواع الخير والمنافع المترتبة على فعل الطبيعة أيضا على هذا النمط من غير قصد من الطبيعة ولا داع يدعوها إلى ذلك . وأجيب عنها [4] : بأن ما كان من هذه الشرور من قبيل عدم بلوغ الفواعل
[1] قد نسب إليه الشيخ الرئيس في الفصل الرابع عشر من المقالة الأولى من الفن الأول من طبيعيات الشفاء . [2] وتعرض لها الشيخ الرئيس في الفصل الرابع عشر من المقالة الأولى من طبيعيات الشفاء . [3] والمجيب صدر المتألهين في الأسفار ج 2 ص 257 ، وشرح الهداية الأثيرية ص 242 . [4] والمجيب أيضا صدر المتألهين في الأسفار ج 2 ص 257 - 258 ، وشرح الهداية الأثيرية ص 243 .