البقاء كما يجب وجودها في حالة الحدوث . على أنه قد تقدم [1] أن وجود المعلول بالنسبة إلى العلة وجود رابط قائم بها غير مستقل عنها ، فلو استغنى عن العلة بقاء كان مستقلا عنها غير قائم بها ، وهذا خلف . برهان آخر : قال في الأسفار : ( وهذا - يعني كون علة الحاجة إلى العلة هي الحدوث - أيضا باطل ، لأنا إذا حللنا الحدوث بالعدم السابق والوجود اللاحق وكون ذلك الوجود بعد العدم وتفحصنا عن علة الافتقار إلى الفاعل أهي أحد الأمور الثلاثة أم أمر رابع مغاير لها ؟ لم يبق من الأقسام شئ إلا القسم الرابع . أما العدم السابق فلأنه نفي محض لا يصلح للعلية . وأما الوجود فلأنه مفتقر إلى الايجاد المسبوق بالاحتياج إلى الوجود المتوقف على علة الحاجة إليه . فلو جعلنا العلة هي الوجود لزم توقف الشئ على نفسه بمراتب . وأما الحدوث فلافتقاره إلى الوجود لأنه كيفية وصفة له ، وقد علمت افتقار الوجود إلى علة الافتقار بمراتب . فلو كان الحدوث علة الحاجة يتقدم على نفسه بمراتب ، فعلة الافتقار زائدة على ما ذكرت ) [2] . وقد اندفعت بما تقدم مزعمة أخرى لبعضهم [3] ، وهي قولهم : ( إن من شرط صحة الفعل سبق العدم ) [4] . والمراد بالسبق السبق الزماني ، ومحصله أن المعلول بما أنه فعل لعلته يجب أن يكون حادثا زمانيا . وعللوه بأن دوام وجود الشئ لا يجامع حاجته ، ولازم هذا القول أيضا عدم وجود المعلول عند وجود العلة . وجه الاندفاع [5] : أن علة الحاجة إلى العلة هي الإمكان وهو لازم الماهية ، والماهية مع المعلول كيفما فرض وجودها ، من غير فرق بين الوجود الدائم وغيره .
[1] في الفصل الأول من هذه المرحلة . [2] راجع الأسفار ج 2 ص 203 - 204 . [3] أي بعض المتكلمين على ما نقل في رسالة الحدوث لصدر المتألهين ص 15 . وفي الأسفار عبر عنهم بطائفة من الجدليين ، فراجع الأسفار ج 2 ص 384 . [4] وقال الفخر الرازي : ( لا يشترط في الفعل تقدم العدم عليه ) ثم ذكر عشرة براهين عليه ، وبعد ذلك أجاب عن شبهات المخالفين . فراجع المباحث المشرقية ج 1 ص 485 - 494 . [5] كما في الأسفار ج 3 ص 18 - 19 .