المتساوية من غير حاجة إلى مرجح آخر ) . ففيه [1] : أن الإرادة لو رجحت الفعل فإنما ترجحه بتعلقها به ، لكن أصل تعلقها بأحد الأمور المتساوية الجهات محال . ودعوى أن من خاصة الإرادة ترجيح أحد الأفعال المتساوية ، لا محصل لها ، لأنها صفة نفسانية علمية لا تتحقق إلا مضافة إلى متعلقها الذي رجحه العلم السابق لها . فما لم يرجح العلم السابق متعلق الإرادة لم تتحقق الإرادة حتى يترجح بها فعل . وأما قول من قال [2] : ( إنه تعالى عالم بجميع المعلومات ، فما علم منها أنه سيقع يفعله ، وما علم منها أنه لا يقع لا يفعله ) . وبعبارة أخرى : ( ما علم أنه ممكن فعله ، دون المحال ) . ففيه : أن الإمكان لازم الماهية ، والماهية متوقفة في انتزاعها على تحقق الوجود ، ووجود الشئ متوقف على ترجيح المرجح ، فالعلم بالإمكان متأخر عن المرجح بمراتب فلا يكون مرجحا . وأما قول من قال [3] : ( إن أفعاله ( تعالى ) غير خالية عن المصالح وإن كنا لا نعلم بها فما كان منها ذا مصلحة في وقت يفوت لو لم يفعله في ذلك الوقت أخره إلى ذلك الوقت ) . ففيه : - مضافا إلى ورود ما أورد على القول السابق عليه - أن المصلحة المفروضة المرتبطة بالوقت الخاص لأي فعل من أفعاله كيفما فرضت ذات ماهية ممكنة لا واجبة ولا ممتنعة ، فهي نظيرة الأفعال ذوات المصلحة من فعله ( تعالى ) . فمجموع ما سواه ( تعالى ) من المصالح وذوات المصالح فعل له ( تعالى ) لا يتعدى طور الإمكان ، ولا يستغني عن علة مرجحة هي علة تامة ، وليس هناك وراء الممكن إلا الواجب ( تعالى ) ، فهو العلة التامة الموجبة لمجموع فعله لا مرجح له سواه . نعم لما كان العالم مركبا ذا أجزاء لبعضها نسب وجودية إلى بعض ، جاز أن
[1] هكذا دفعه صدر المتألهين في الأسفار ج 2 ص 134 - 135 و ص 260 - 261 . [2] لعل القائل به جمهور أهل السنة والجماعة والنجار ، كما مر . [3] والقائل جمهور قدماء المعتزلة ، كما مر .