وعلى جميع هذه التقادير فاعل الحركة هي الطبيعة [1] . أما في الحركة الطبيعية ، فلأن الطبيعة إنما تنشئ الحركة عند زوال صورة ملائمة أو عروض هيئة منافرة تفقد بذلك كمالا تقتضيه ، فتطلب الكمال ، فتسلك إليه بالحركة ، ففاعلها الصورة وقابلها المادة . وأما في الحركة القسرية ، فلأن القاسر ربما يزول والحركة القسرية على حالها ، وقد بطلت فاعلية الطبيعة بالفعل ، فليس الفاعل إلا الطبيعة المقسورة [2] . وأما في الحركة النفسانية ، فلأن كون النفس مسخرة للطبائع والقوى المختلفة لتستكمل بأفعالها ، نعم الدليل على أن الفاعل القريب في الحركات النفسانية هي الطبائع والقوى المغروزة في الأعضاء . الفصل الحادي عشر في الزمان إنا نجد فيما عندنا حوادث متحققة بعد حوادث أخرى هي قبلها ، لما أن للتي بعد نحو توقف على التي قبل ، توقفا لا يجامع معه القبل والبعد ، على خلاف سائر أنحاء التقدم والتأخر كتقدم العلة أو جزئها على المعلول ، وهذه مقدمة ضرورية لا نرتاب فيها . ثم إن ما فرضناه قبل ، ينقسم بعينه إلى قبل وبعد بهذا المعنى - أي بحيث لا يجتمعان - ، وكذا كل ما حصل من التقسيم وله صفة قبل ، ينقسم إلى قبل وبعد من غير وقوف للقسمة . فهاهنا كم متصل غير قار ، إذ لو لم يكن كم ، لم يكن انقسام ، ولو لم يكن
[1] راجع الشواهد الربوبية ص 90 . [2] ولما كان المحرك في الحركات القسرية هي الطبيعة المقسورة فلا وجه لما ذكره اللاهيجي في شوارق الالهام ص 235 من الفرق بين الحركة الطبيعية والحركة القسرية بأن الجسم إن كان محلا للقوة الجسمانية فتحريكها له بالطبع وإلا كان بالقسر . بل الحق أن يقال : إن الحركة الحاصلة إما ملائمة للقوة الجسمانية أو لا ، فالأول تحريك بالطبع والثاني تحريك بالقسر .