و تعذّر الارتباط بين الأرواح و الأجسام للمباينة الذاتية الثابتة بين المركَّب و البسيط - فانّ الأجسام كلَّها مركَّبة ، و الأرواح بسيطة ، فلا مناسبة بينهما ، فلا ارتباط و ما لم يكن ارتباط ، لا يحصل تأثير و لا تأثّر و لا إمداد و لا استمداد - فلذلك خلق الله سبحانه عالم المثال برزخا جامعا بين عالم الأرواح و عالم الأجسام ليصحّ ارتباط أحد العالمين بالآخر ، فيتأتّى حصول التأثّر و التأثير و وصول الأمداد و التدبير . فبعالم المثال و خاصيته تتجسّد الأرواح في مظاهرها المثالية المشار إليها بقوله تعالى ، « فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا » . و إلى عالم المثال يترقّى المتروحنون في معارجهم الروحانية الحاصلة بالانسلاخ من هذه الصور الطبيعية العنصرية و اكتساء أرواحهم المظاهر الروحانية . و هكذا هو شأن روح الإنسان مع جسمه الطبيعي العنصري الذي يدبّره و يشتمل عليه علما و عملا ، فانّه لمّا كانت المباينة المشار إليها ثابتة بين روحه و بدنه ، و تعذّر الارتباط الذي يتوقّف عليه التدبير و وصول المدد إليه ، خلق الله نفسه الحيوانية برزخا بين الروح المفارق و البدن . فنفسه الحيوانية من حيث أنّها قوّة معقولة هي بسيطة تناسب الروح المفارق ، و من حيث أنّها مشتملة بالذات على قوى مختلفة متكثّرة منبثّة في أقطار البدن ، متصرّفة بتصرّفات مختلفة ، و محمولة أيضا في البخار الضبابي [ 47 ] الذي في التجويف الأيسر من القلب الصنوبري ، تناسب المزاج المركَّب من العناصر . فحصل الارتباط و التأثّر و التأثير ، و تأتّى وصول المدد و التدبير . وصل ثمّ اعلم أنّ العالم المثالي هو عالم روحانى من جوهر نورانى شبيه بالجوهر الجسماني في كونه محسوسا مقداريّا ، و بالجوهر المجرّد العقلي في كونه نورانيّا . و ليس بجسم مركَّب مادّى ، و لا جوهر مجرّد عقلى ، لأنّه برزخ و حدّ فاصل بينهما و كل ما هو برزخ بين الشيئين ، لا بدّ و أن يكون غيرهما . بل له جهتان يشبه بكلّ منهما ما يناسب عالمه ، اللَّهمّ الَّا أن يقال ، إنّه جسم نورى في غاية ما يمكن من اللطافة . فيكون حدّا فاصلا بين الجواهر المجرّدة اللطيفة و بين الجواهر الجسمانية المادّية الكثيفة ، و إن كان بعض من هذه الأجسام