نام کتاب : نقد النصوص في شرح نقش الفصوص نویسنده : عبد الرحمن بن احمد جامي جلد : 1 صفحه : 223
« أَ هكَذا عَرْشُكِ » ، « كَأَنَّه هُوَ » ، أي كأنّ العرش المشاهد المشار إليه هو العرش الذي خلَّفته في سبا ، ففيه ، أي فيما قالت بلقيس ، عثور و اطَّلاع منّا على علمها ، أي على كونها عالمة ، بتجديد الخلق بالأمثال في كل زمان ، بل في كل آن فأتت بلقيس بكاف التشبيه في قولها ، « كَأَنَّه هُوَ » ، و حكمت بالمغايرة و المشابهة ، فإنّ التشبيه لا يكون إلَّا بين متغايرين ، و صدقت فيما قالت لما ذكرنا من تجديد الخلق بالأمثال فانّ مثل الشيء لا يكون عينه من حيث التعيّن ، و هو هو من حيث الحقيقة . و أراها ، أي سليمان بلقيس ، صرح [ 195 ] القوارير . فحسبته كأنه لجة ، أي ماء ، ف « كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها » حتّى لا يصيب الماء ثوبها . و ما كان لجة في نفس الأمر ، كما أن العرش المرئي الموجد عند سليمان ليس عين العرش الذي خلَّفته [1] في سبا من حيث الصورة ، فانّه قد انخلع عن الصورة الأولى و تلبّس بصورة أخرى . و لكنّ الجوهر الذي تعاقبت عليه الصورتان واحد ، و الصورتان متماثلتان . فنبّهها بذلك على أنّ حال عرشها كحال الصرح في كون كل منهما مماثلا مشابها لآخر : أمّا العرش ، فلأنّه انعدم ، و ما أوجده الموجد مماثل لما انعدم و أمّا الصرح ، فلأنّه من غاية لطفه و صفائه صار شبيها بالماء الصافي ، مماثلا له ، و هو غيره . فنبّهها بالفعل على أنّها صدقت في قولها ، « كَأَنَّه هُوَ » ، فإنّه ليس عينه ، بل مثله . و هذا غاية الانصاف من سليمان عليه السلام ، فانّه صوّبها في قولها ، « كَأَنَّه هُوَ » . و هذا التنبيه الفعلى كالتنبيه القولى الذي في سؤاله ، « أَ هكَذا عَرْشُكِ » ، حيث لم يقل ، « أ هذا عرشك » . فافهم . و هذا ، أي تجديد الخلق مع الآنات ، ليس مخصوصا بعرش بلقيس