الإنسان عين علمه ومعرفته ، نرى أن الإنسان بمعرفته شيئا من الواقعيّة بالعلم اليقيني الشهودي يصير عين الواقعيّة المعلومة ويتّسع بذلك نطاق وجوده العيني شيئا فشيئا . ومن أحقّ الواقعيّات أنّ ما سوى اللَّه تعالى - ومنه شخص الإنسان - لا تحقّق لها بنفسها ولا قيام لها بوجوده ، وأن كلّ ما يرى لأشخاص من الموجودات ليس إلا فيض من فيوضات خالقه المنّان ، وشعاع من أنوار فيوضاته الساطعة ، واللَّه تعالى هو المالك لما ملَّكهم والقادر لما أقدرهم عليه ، وإليه يرجع كل علم وقدرة ووجود ، وليس لغيره من الموجودات - وبالتبع للإنسان - من كلّ ما يدّعيه ويراه إلا الصورة والاسم ، * ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ الله بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وما تَهْوَى الأَنْفُسُ ولَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى ) * [ 53 / 23 ] وأن لكلّ شيء وجهان : وجه ظاهر لنا به نعرفه ونسمّيه ، ووجه باطل به تحقّق ذلك الموجود وحقيقته ، وهو النور الساطع من مفيض الأنوار نور السماوات والأرض . فأعلى مدارج المعرفة وأقربها من الحقيقة هي معرفة هذه الدقيقة ، وأن ليس للشخص العارف من التحقّق والوجود إلا الصورة والاسم ، وأنّه خال من أيّ تحقّق ووجود ، وأنّ كلّ واقعيّة وحقيقة يتراءى راجع إلى النور الفائض وأثر من آثار الفيّاض المنّان * ( ذلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ وأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وأَنَّ الله هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) * [ 22 / 62 ] * ( ورُدُّوا إِلَى الله مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) * [ 10 / 30 ] وشهود هذا الحقيقة هو التحقّق بالعبوديّة ومعرفة العبد أنّه ملك طلق للمالك المطلق والقيّوم الحقّ ، وبمعرفة الليسيّة الكاملة لنفسه ورفع حجاب إنيّته يشهد حقيقته والنور الفائض وتحقّقه به ، وبالتبع يرتفع إلى أعلى المدارج الممكنة له ، ولعل إلى هذه الدقيقة تشير الآية الكريمة : * ( يا أَيُّهَا الإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ) * [ 84 / 6 ] وما روي عن المعصومين عليه السّلام واشتهر : « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » [1] ، وجاء في مصباح الشريعة : « العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة » .