ولكن لو أخذنا بنظر الاعتبار فليس يعطينا القرآن هذا المفهوم من العبوديّة والعبد عند ما يطلق الكلمة على العبد قبال مولويّة اللَّه تعالى ، وإن كان فهم المراد القرآني أيضا لا يتيسّر إلا بالاستعانة من المصطلح اللغوي واستعماله العلمي . وإذا أردنا فهم المراد منه في القرآن فعلينا بالدّقة في موارد استعمالات هذه الكلمة ، ويكفينا في هذا المجال مراجعة آيتين من الآيات التي ورد فيها هذه المادّة : * ( وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) * [ 51 / 56 ] . و : * ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) * [ 17 / 1 ] ، فالآية الأولى ترشد إلى أن الغرض الأصلي من خلق الإنسان - وكل الخلق - عبادة اللَّه ، والثانية تلمح أن « عبد اللَّه » أفضل وصف يتسمّى به أحد من الخلق - وهو النبيّ الخاتم صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - في أعلى مدارج تعاليه وترقّياته وأفضل حالات سلوكه إلى اللَّه تعالى - وهو المعراج . وذلك ما يوجب لنا التدبّر في معنى العبوديّة للَّه تعالى ، وأنّه من أين ولما ذا حصلت للعبوديّة هذه المكانة العالية ؟ ولعبد اللَّه هذه الدرجة الرفيعة ؟ ولعل الطريق الأقرب لفهم السر هو الرجوع إلى تفهّم معنى الوجود ، وما قال المؤلف - قده - فيه [1] : فإنّه منبع كل شرف . فإلى الوجود رجوع كل فضل ورفعة وفضيلة ، كما أنّ نقيضه العدم مرجع كل نقص وسقوط ورذيلة ، فكلَّما وسع نطاق وجود موجود وتحقّق بالوجود أكثر يصير أفضل وأعلى ، وبالعكس كلما ضاق نطاق وجوده قرب من العدم والهلاك والضعة . والإنسان - عند التحليل - مركَّب من بدن مادّي ضعيف سالك إلى الانهيار ، وروح من أمر اللَّه باق متوسّع وقابل للسعة إلى ما لا نهاية له . ثم إذا أخذنا بعين الاعتبار ما ثبت في الحكمة المتعالية من اتّحاد العالم بمعلومه ، وأنّ