نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 694
من الجبال الشامخة ، فلمّا رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم ، وأنّ الذي رأوه ليس من مقدور البشر ، وإن كان من مقدور البشر ، فلا يكون إلَّا ممّن له تميز في العلم المحقّق عن التخييل والإيهام ، فآمنوا بربّ العالمين ، ربّ موسى وهارون - أي الربّ الذي يدعو إليه موسى وهارون - بعلمهم بأنّ القوم يعلمون أنّه ما دعا لفرعون ، فلمّا كان فرعون في منصب التحكَّم صاحب الوقت ، وأنّه الخليفة بالسيف - وإن جار في العرف الناموسي - لذلك قال : * ( أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى ) * [1] أي [ وإن كان الكلّ أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم . ولمّا علمت السحرة صدقه في مقاله ، لم ينكروه وأقرّوا له بذلك فقالوا له : « * ( إِنَّما تَقْضِي هذِه ِ الْحَياةَ الدُّنْيا ) * * ( فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ) * » [2] فالدولة لك فصحّ قوله : « أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى » ] وإن كان عين الحق ، فالصورة لفرعون ، فقطع الأيدي والأرجل ، وصلب بعين حقّ في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلَّا بذلك الفعل ، فإنّ الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها » . [3] قال العبد : يشير - رضي الله عنه - في كل ذلك إلى الربوبيات العرضية المبثوثة في كلّ من أعطاه الله تصرّفا ، فكل من كان تصرّفه وحكمه في الظاهر أتمّ وأعمّ ، فربوبيّته كذلك أعمّ وأتمّ ، فإنّ الربّ لغة هو المالك . وقيل : هو السيد ، والربّ هو المربّي . والمالك يتصرّف في ملكه بما أراد ، والسيد يحكم بسيادته على العبيد بما يبقى له عليهم السيادة ولهم العبودية له ، وهو كما يقال : ربّ الدار ، وربّ الخاتم ، وربّ الثوب ، وربّ القرية والمدينة ، وهو اسم إضافى أبدا ، وإذا عرّف بلام التعريف والعهد يكون مدلوله ربّ العالمين وربّ الأرباب ، فلم يبرح عن الإضافة في المعنى . وهذه النسبة - أعني الربوبية - لعين واحدة ظاهرة بصور كثيرة شتّى وهي بعينها تربّي وتربّ وتصلح صورها التي هي لها مجال ومراء ومحالّ ظهور وتراء ، والربّ له خمسة معان ، فإنّه المالك ، والسيد ، والثابت ، والمصالح ، والمربّي ، والعين الأحدية
[1] النازعات ( 79 ) الآية 24 . [2] والآية معكوسة فراجع طه ( 20 ) الآية 72 . [3] من قوله : « فقطع » إلى قوله : « تعطيلها » يأتي في المتن الآتي أيضا .
694
نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 694