نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 683
فاكتفى المبلَّغون للعلوم بهذا ، فهذا حكمة قوله عليه السّلام : * ( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ) * [1] ولم يقل : ففررت منكم حبّا في السلامة والعافية » . يشير - رضي الله عنه - في كل هذه الحقائق إلى أنّ قوله : « لَمَّا خِفْتُكُمْ » رعاية منه لمفهوم العموم ، فافهم ، ما ينظرون إلَّا إلى السبب الأقرب الظاهر لا إلى الحقيقة وباطن السرّ . قال - رضي الله عنه - : « فجاء إلى مدين ، فوجد الجاريتين ، * ( فَسَقى لَهُما ) * من غير أجر ، * ( ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ) * الإلهي ، * ( فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ من خَيْرٍ فَقِيرٌ ) * [2] فجعل عين عمله السقي عين الخير الذي أنزله الله إليه ، ووصف نفسه بالفقر إلى الله في الخير الذي عنده ، فأراه الخضر إقامة الجدار من غير أجر ، فعتبه على ذلك ، فذكَّره الخضر سقايته من غير أجر ، إلى غير ذلك ممّا لم يذكره ، حتى تمنّى صلَّى الله عليه وسلَّم أن يسكت موسى عليه السّلام ولا يعترض ، حتى يقص الله عليه من أمرهما ، فيعلم بذلك ما وفّق إليه موسى من غير علم منه ، إذ لو كان عن علم ما أنكر مثل ذلك على الخضر الذي قد شهد الله له عند موسى وزكَّاه وعدّله ، ومع هذا غفل موسى عن تزكية الله وعمّا شرطه عليه في اتّباعه ، رحمة بنا إذا نسينا أمر الله ، ولو كان موسى عالما بذلك ، لما قال له الخضر : * ( ما لَمْ تُحِطْ به خُبْراً ) * [3] أي إنّي على علم لم يحصل لك عن ذوق ، كما أنت على علم لا أعلمه أنا ، فأنصف . وأمّا حكمة فراقه فلأنّ الرسول يقول الله فيه : * ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه ُ وَما نَهاكُمْ عَنْه ُ فَانْتَهُوا ) * [4] فوقفت العلماء بالله - الذين يعرفون قدر الرسالة والرسول - عند هذا القول ، وقد علم الخضر أنّ موسى عليه السّلام رسول الله ، فأخذ يرقب ما يكون منه ، ليوفّي الأدب حقّه مع الرسل [5] ، فقال له : * ( إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها