نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 674
والاعتدال الخصيص المنتج لهذه النتيجة الشريفة الروحية ، فإنّ الروح الإنساني وإن كان عندنا موجودا قبل وجود البدن ، ولكن تعيّن هذا الروح المعيّن - مثلا - متوقّف على المزاج ، وكان موجودا بصورته الروحانية الخصيصة به الموجود هو فيها وبها قبل تعلَّقها بالبدن وجودا روحانيا عقليا نورانيا لا نقليا جسمانيا ، فالحادث بوجود هذه الأمّ الشريفة إنّما هو هذا التعيّن الشخصيّ لا الروح في حقيقته الجوهرية ، فافهم . قال - رضي الله عنه - : « ثم إنّ الله حرّم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمّه [ فأرضعته ] ليكمل الله لها سرورها به ، كذلك علم الشرائع ، كما قال : « لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا » [1] أي طريقا ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء ، فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء ، فهذا غذاؤه كما أنّ فرع الشجرة لا يتغذّى إلَّا من أصلها ، فما كان حراما في شرع يكون حلالا في شرع آخر يعني في الصورة ، - أعني قولي : « [ يكون ] حلالا » - وفي نفس الأمر ما هو عين ما مضى ، لأنّ الأمر خلق جديد ولا تكرار ، ولهذا نبّهناك ، فكنى عن هذا في حق موسى بتحريم المراضع » . يشير - رضي الله عنه - إلى أنّ اللبن الذي يرضعه كل مولود وإن كان في الصورة عينا واحدة هو اللبن ، ولكن لبن شخص دون شخص ما هو عين ذلك اللبن ، وكذلك الشريعة التي جعلها الله لنبيّ وجبله عليها هي التي يأخذها ذلك النبيّ دون غيرها ، فإنّ الشرائع وإن كانت كلَّها منزلة من عند الله ولله ، ولكن لكل أحد شرعة منها شرع في طلب الحق والتوجّه إليه ، ومنها جاء في الأصل . وأمّا تنزيل تحريم المراضع على حقيقتها في الروح الإنساني من البدن ، فهو أنّ لكل نفس نفس مزاجا خاصّا يناسبها ، لا يليق إلَّا لها في ثاني حصول كمالاتها لها في هذا المزاج الخاصّ ، فيكون محرّما على الأرواح الزاكية الكاملة الطاهرة أن يتغذى بالقوّة المخالفة للقوى الروحية وهي الهوى والشيطان والنفس ، وصور هذه القوى هي التي حرّمت على موسى مراضعها من نساء أهل فرعون ، فافهم . قال - رضي الله عنه - : « فأمّه على الحقيقة من أرضعته لا من ولدته ، فإنّ أمّ الولادة