نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 622
أن يقول : يا منتقم ارحمني ، وذلك لأنّ هذه الأسماء تدلّ على الذات المسمّاة [ وتدلّ بحقائقها على معان مختلفة ، فيدعو بها في الرحمة من حيث دلالتها على الذات المسمّاة ] بذلك الاسم لا غير ، لا بما يعطيه مدلول ذلك الاسم الذي ينفصل به عن غيره لذاته ، إذ المصطلح عليه بأيّ لفظ كان حقيقة متميّزة بذاتها عن غيرها ، وإن كان الكلّ قد سيق ليدلّ على عين واحدة مسمّاة ، فلا خلاف في أنّه لكل اسم حكم ليس للآخر فذلك أيضا ينبغي أن يعتبر كما يعتبر دلالته على الذات المسمّاة ، ولهذا قال أبو القاسم بن قسيّ في الأسماء الإلهية : إنّ كل اسم على انفراده مسمّى بجميع الأسماء الإلهية كلَّها إذا قدّمته في الذكر نعتّه بجميع الأسماء ، وذلك لدلالتها على عين واحدة ، وإن تكثّرت الأسماء عليها واختلفت حقائقها أي حقائق تلك الأسماء . ثمّ إنّ الرحمة تنال على طريقين : طريق الوجوب وهو قوله : * ( فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) * [1] وما قيّدهم به من الصفات العلمية والعملية . والطريق الآخر الذي تنال به هذه الرحمة طريق الامتنان الإلهي الذي لم يقترن به عمل وهو قوله : * ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) * [2] ومنه قيل : * ( لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) * [3] ومنها قوله : اعمل ما شئت فقد غفرت لك ، فاعلم ذلك » . يشير - رضي الله عنه - إلى أنّ رحمة الامتنان ذاتية ، ليست في مقابلة عمل ، تنال الأشياء كلَّها ، فكل ما تناولته الشيئية تناله هذه الرحمة ولا بدّ ، و « اعمل ما شئت فقد غفرت لك » و « غفران ما تقدّم وما تأخّر » من مقتضى هذه الرحمة ، ولسانها يقول ذلك . وبهذه الرحمة استظهار الأبالسة والشياطين والسحرة والكفرة والفجرة والمردة والفراعنة ، وقد سبق كلّ ذلك مرارا ، فتذكَّره تذكر ، والله الموفّق .