نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 564
فلمّا كان آصف عليه السّلام عارفا بهذه الحقيقة إمّا كشفا أو إعلاما من الله بذلك أو من كون الله أعطاه التصرّف في الوجود الكوني جمعا أو فرادى ، فاستمرّ تصرّفه على ذلك كرامة له ولسليمان ولما أراد الله من كمال الظهور بكمال التصرّف الوجودي في النوع الإنساني لتسخير الجنّ والإنس وغيرهما لمظهره الأكمل في ذلك العصر وهو سليمان عليه السّلام ، فتصرّف آصف بخلع الصورة العرشية من وجوده في سبأ ، وخلعها عليه في الحال عينه عند سليمان في زمان واحد من غير ريث ولا تراخ ، إظهارا لكمال تصرّفه الذي آتاه الله . وإنّما حملته على ذلك ، الغيرة على سليمان وله وللملك الذي آتاه الله من الجنّ لئلَّا يتوهّموا أنّ تصرّفهم أعلى وأتمّ من تصرّف سليمان وآصف ، فأظهر لهم أنّ الملك والتصرّف الذي أعطاهما ، أعني سليمان وآصف عليهم السّلام خارق لعادات الجنّ وسحرتهم في تصرّفاتهم الخصيصة بهم من تقريب البعيد وبالإتيان بالأعمال الشاقّة الخارجة عن قوّة البشر ، والخارقة لعادات أهل النظر بالفكر في المعتاد ، وذلك بفضل روحانية في الجنّ وقوّة آتاهم الله من التصوّر والتشكَّل بأشكال مختلفة للرائين من البشر ، فإنّ وجود صورهم من الهواء والنار على أنحاء مختلفة وضروب متخالفة ومؤتلفة لا تتناهى شخصياتها وجزئيّاتها وإن انحصرت أمّهات أصنافهم . وأممهم على أربع أمّهات ، فإنّ الغالب على نشآتهم إمّا الهواء أو النار أو هما معا متساويين غير متساويين على الماء والتراب مطلقا ، والعنصران الثقيلان - وهما الماء والأرض - مغلوبان في نشآت الجنّ على نحو غلبتهما على الهواء والنار في المولَّدات المعهودة المشهودة الكثيفة الثقيلة مثل مغلوبية البرودة والرطوبة في الفلفل وأمثاله ، ومثل غلبة البرودة والرطوبة على الحرارة واليبوسة في لبّ الخيار - مثلا - وأمثاله على درجات دقائق لا تكاد تنحصر ولا يحصيها إلَّا موجدها ، الله تعالى ، ثمّ مع مغلوبية هذين الأسطقسّين الثقيلين في نشآت الجنّ والشياطين ، فإمّا أن يكون الغالب الجزء الهوائيّ على الجزء الناري أو بالعكس . والأوّل : الجنّ المؤمنون بالله والملائكة والكتب والرسل المتديّنون بالأديان والملل من اليهود والنصارى والمجوس والمسلمين .
564
نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 564