نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 448
يشير - رضي الله عنه - إلى التحريض بالتحقّق بحقيقة الأمر ، وحقيقة الأمر أن لا حقيقة ولا حقّية إلَّا لله ، وهو حق الحقيقة وحقيقتها ، فإذا تحقّقت ذلك تحقّقت أنّك عين الحق ، والحق عينك وعين قواك وجوارحك ، وأنت صورة أحدية جمع صور تنوّعات ظهوره وتعيّنات نوره ، وإذا عرفت أنّك حق على الطريق الحق ، وغايتك الحق ، وسلوكك حق ، فالكلّ حق في حق ، فاعلم ذلك ولا تكن من الجاهلين * ( إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ من الْجاهِلِينَ ) * [1] فقد بان لك الأمر على لسان ترجمان الحق وهو رسول الله الذي هو لسان حق بقوله : « كنت سمعه وبصره ويده ورجله » وحيث قال لك الحق بلسان الحق حقّا ، فافهم الحق بالفهم الحقّ حقّ الفهم ، إذ لا يفهم الحق إلَّا الحق . ثم قال - رضي الله عنه - بعد قوله : « فإنّ للحق نسبا كثيرة ووجوها مختلفة : « ألا ترى عادا قوم هود ، كيف * ( قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا ) * [2] فظنّوا خيرا بالله وهو عند ظنّ عبده به ؟ ! فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو أتمّ وأعلى في القرب ، فإنّه إذا أمطرهم فذلك حظَّ الأرض وسقي الحبّة ، فلا يصلون إلى نتيجة ذلك إلَّا عن بعد [3] ، فقال لهم : * ( بَلْ هُوَ ما اسْتَعْجَلْتُمْ به رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ) * [4] ، فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة لهم ، فإنّ هذه الريح أراحتهم عن هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدف المدلهمّة ، وفي هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا أذاقوا إلَّا أنّه يوجعهم ، لفقد المألوف ، فباشرهم العذاب ، فكان الأمر إليهم أقرب ممّا تخيّلوا » . يعني - رضي الله عنه - : أنّهم لمّا ظنّوا بالله خيرا من حيث لا يشعرون والله عند ظنّ عبده به ، فأثابهم الله خيرا ممّا ظنّوا ، لكونهم حصلوا بذلك في عين الحق من حيث لم يحتسبوا ، فإنّ للحق وجوها كثيرة ونسبا مختلفة ، هم وظنونهم وأفعالهم وأحوالهم وأقوالهم من جملتها ، فجازاهم على ظنّهم بالله خيرا على وجه أتمّ وأعمّ .