نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 445
يشير - رضي الله عنه - إلى العلم الخصيص بالأرجل ، وهو العلم الحاصل بالكدّ والسعي والتعمّل في مراتب العلوم الظاهرة في المثال ، وفي التحقيق العلم الحاصل للأقدام - من حيث هي أقدام وآلات - سعي على الصراط ، ولا نتيجة له في أخذ النواصي بيد الحق الذي هو على الصراط المستقيم إلَّا أن يقودها بموجب ما تسوق الأرجل في السلوك والسعي لا غير ، ولا يفيد إلَّا هذا الفنّ الخاصّ من علم الأذواق . قال - رضي الله عنه - : « ويسوق [1] المجرمين وهم الذين استحقّوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها ، فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم - وهي عين الأهواء التي كانوا عليها - إلى جهنّم وهي البعد الذي كانوا يتوهّمونه ، فلمّا ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب ، فزال البعد ، فزال مسمّى جهنّم في حقّهم ، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق » . يشير - رضي الله عنه - [ إلى ] أنّ المجرمين الذين يسعون في الأجرام والآثام إنّما تسوقهم الأهواء - التي يهوون بها في هوّة جهنّم - [ إلى ] البعد الوهميّ من خلفهم وأدبارهم ، ولهذا سمّيت دبورا ، أي تسوقهم من أدبارهم أهواؤهم بزعمهم وفي نفس الأمر ، إنّما تسوقهم الأهواء بحسب ما يقودهم من بيده نواصيهم إلى غاياتهم التي استحقّوها بحسب استعداداتهم وسعيهم فيهم بحكم السائق والقائد ، فهم فنوا وهلكوا عنهم بحكمه ، فليسوا بحكمهم وقد توهّموا بعدا في بعد من حيث توهّمهم أنّهم هم الذين يسعون ويعملون ويمشون ويسلكون بأنفسهم إلى ما تخيّلوا من كمالات وهمية فانية ، فما يسعون إلَّا إلى ما يتوهّمونه ، وهو البعد ، والحقيقة تأبى ذلك ، فإنّهم إنّما يسعون بالحق في الحق للحق من حيث لا يعلمون ولا يشعرون ، فإذا بلغوا غاياتهم لم يجدوا ما عملوا شيئا ، لأنّهم وجدوا الله عاملا بهم ما عملوا ، ووجدوا الحق الذي به عملوا ما عملوا ، فإذا وفّقوا عند النهاية إلى الغاية على السرّ ، حصلوا في عين القرب ، فزال البعد في حقّهم ، فزال مسمّى جهنّم وهو البعد ، ففازوا بالقرب بسعيهم واستحقاقهم ، فإنّهم إنّما وصلوا إلى ما وصلوا بأرجلهم التي سعوا عليها ، وكانت