نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 401
إسم الكتاب : شرح فصوص الحكم ( عدد الصفحات : 736)
يعني - رضي الله عنه - : العباد الذين فيهم تدخل النفس المطمئنّة تحت أوامر ربّها ونواهيه وأفعاله ، إذا دعيت إلى ربّها ، فأجابت النداء راضية مرضيّة فلا بدّ أن تدخل فيهم ، فإنّ المقام بينها وبينهم لكونهم جميعا راضين مرضيّين مطمئنّين مدعوّين . قال - رضي الله عنه - : « وادخلى جنّتى » التي بها [1] ستري ، وليست جنّتي سواك ، فأنت تسترني بذاتك ، فلا أعرف إلَّا بك ، كما أنّك لا تكون إلَّا بي ، فمن عرفك عرفني وأنا لا أعرف فأنت لا تعرف ، فإذا دخلت جنّته ، دخلت نفسك ، فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربّك بمعرفتك إيّاها ، فتكون صاحب معرفتين : معرفة به من حيث أنت ، ومعرفة به بك من حيث هو ، لا من حيث أنت » . قال العبد : اشتقاق الجنّة من الستر ، وكلّ جنّة تجنّ أرضها بما عليها من النبات والشجر ، وهي بالنسبة إلى الجنّة مقامات ومنازل تلائمهم كلّ الملاءمة ، فكلّ عبد مرضيّ عند ربّه يلائمه بكونه مظهرا له في جميع ما يحبّ ويرضى أن يظهر فيه وبه ، فهو جنّة ربّه حيث ظهر ، وستر هو في مظهريته ، فجعل العبد نفسه وقاية لربّه وجنّة له من الأفعال والآثار المذمومة عند من لا يرضاها من الأرباب والعبيد ، فأضاف إلى نفسه جميع المذامّ وهي بالأصالة أفعال وآثار لربّه فيه ، فصار وقاية ربّه عن ألسنة أهل الذمّ والمذامّ ، وهدفا لسهام الطعن والملام ، وجعل ربّه وقاية له في جميع المحابّ والمحامد ، فأضافها جميعا إلى ربّه جنّة له ، فلا تضاف المحامد إليه من حيث هو ، بل إلى ربّه ، واستتر هو بربّه عن إضافة المحامد ، كما ستر ربّه به عن المذامّ ، فكما أنّ العبد لا يكون موجودا إلَّا بربّه ، إذ هو كون ، فكذلك الربّ لا يكون ظاهرا متعيّنا في عينه إلَّا بالعبد ، فهو مظهر ومظهر ، والناظر فيه وبه ، فينظره فلا يعرف إلَّا به ، وإذ قد ثبت أنّ الله لا يعرف بالحقيقة ، فعبده الذي هو مظهره الأكمل لا يعرف بغيره ، فإذا نادى كلّ ربّ عبده إليه ، وأمره بالدخول في جنّة ربّه ، دخّل العارف نفسه ، فيعرف أنّه مظهره ومجلاه ، وهو عبده وهو مولاه ، وهو عرشه ومستواه ، ولا ينفكّ ربّه يحبّه ويرضاه ،