نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 290
عقولهم ، فلا يخاطبهم كذلك إلَّا بمقتضى مفهومهم ومعقولهم ، ولو لم يكن المفهوم العامّ معتبرا من كل وجه ، لكان ساقطا وكانت الإخبارات كلَّها مرموزة ، وذلك تدليس ، والحق - تعالى - يجلّ عن ذلك ، فيجب الإيمان بكل ما أخبر به من غير تحكَّم عقلي ولا تأويل فكري ، إذ * ( ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَه ُ إِلَّا الله وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا به ) * [1] . وحيث أقرّت العقول بالعجز عن إدراك الحقائق فعجزها عن إدراك حقيقة الحق أحقّ في أصحّ المذاهب والطرائق ، فلا طريق لعقل ولا وجه لفكر مفكَّر أن يتحكَّم على الذات الإلهي بإثبات أمر لها أو سلب حكم عنها إلَّا بإخباره عن نفسه ، فإنّ الذات المطلقة غير منضبطة في علم عقلي ولا مدركة بفهم فكري ، ولا سيّما لا وجه للحكم بأمر على أمر إلَّا بإدراك المحكوم به ، والمحكوم عليه ، وبالحكم حقيقة ، وبحقيقة النسبة بينهما . وهذا مقرّر عقلا وكشفا دائما ، فليس لأحد أن يتحكَّم بفكره على إخبارات الحقّ عن نفسه وتأوّلها على ما يوافق غرضه ويلائم هواه ومدركه ، فإنّ الإخبارات الإلهية مهما لم يرد فيها نصّ [2] بتعيّن وجه وتخصيص حكم ، فهي متضمّنة على جميع المفهومات المحتملة فيها من غير تعيين مفهوم دون مفهوم ، وهي إنّما تنزل في العموم على المفهوم الأوّل وفي الخصوص على كل مفهوم يفهمه الخاصّ من تلك العبارات ، والحق إنّما ذكر تلك العبارات عالما بجميع المفهومات ، محيطا بها وجميعها مراد له بالنسبة إلى كل فاهم ، ولكن بشرط الدلالة اللفظية بجميع وجوه الدلالة المذكورة على جميع الوجوه المفهومة عنها في الوضع العربي أو غيره أيّ لغة كانت تلك الإخبارات بها ، لأنّ للحق ظهورا في كل مفهوم ومعلوم وملفوظ ومرقوم ، وفي كل موجود موجود ، سواء كان من عالم الأمر ، أو من عالم الخلق ، أو من عالم الجمع ، فهو الظاهر في الكلّ بالكل ، وعين الكلّ والجزء ، وكل الكلّ ، فهو الظاهر في كل فهم بحسبه غير منحصر فيه ولا في غيره من المفهومات ، وهو الباطن من كل فهم ومفهوم إلَّا من رزقه الله فهم