نام کتاب : شرح فصوص الحكم نویسنده : مؤيد الدين الجندي جلد : 1 صفحه : 199
الإنسانية ، والإنسان صورة جمعها الأحدية فهو غيب العالم ، والعالم شهادته وظاهره لكون الكثرة والتفرقة حجابا ظاهرا ، والجمعية الأحدية غيبا باطنا ، فالإنسان روح العالم وقلبه وسرّه الباطن ولبّه ، ولهذا السرّ وجد احتجاب السلاطين والخلائف ضرب مثال للأمر ، حتى يكون غيبا ، كما أنّ اللبّ غيب في القشر ، وذلك أليق بعزّة الخليفة وعظمته ، كما أنّ الله - تعالى - وصف نفسه على لسان رسولنا بالحجب ، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : « إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة » ، فالاحتجاب بالحجب من مقتضيات السلطنة والخلافة . ولمّا كان العالم بين لطيف وكثيف ، جسم وروح ، قد تعيّن الوجود الحق عامرا لعوالمهما وكثراتهما غير المتناهية ، وكلّ من العالمين حجاب على الآخر ، فتحجّب اللطيف بالكثيف ، والكثيف باللطيف ، واللطيف باللطيف والكثيف ، فالعالم عين حجابه على نفسه ، فلا يدرك الحق أبدا إلَّا من وراء هذه الحجب الكثيفة واللطيفة وذلك لأنّه لا حظَّ له في الوجوب الذاتي ولأنّه مفتقر في الوجود إلى من يتوهّم أنّه غيره ، فلا يزال في حجاب الغيرية ما بين كثيف نسمّيه جسما ، ولطيف نسمّيه روحا أو عقلا أو نفسا أو معنى ، وهي فيما بينها أغيار لوجود المغايرة بين التعيّنات الحقيقية والخصوصيات الذاتية ، فلو شهد العالم العين - المحتجبة بحجب الغيرية عن أعين أعيان الأغيار - أنّها بالحقيقة عين هذه الأغيار ، لزال عن عينها الغين والحجاب ، ولكنّ العزّة والغيرة أوجبتا الغيرية ، ولا بدّ ، * ( وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ من ضُرٍّ لَلَجُّوا في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) * [1] . قال الشيخ - رضي الله عنه - : « فما جمع [ الله ] لآدم بين يديه إلَّا تشريفا ، ولهذا قال لإبليس : * ( ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) * [2] وما هو إلَّا عين جمعه بين الصورتين : صورة العالم وصورة الخلق ، وهما يدا الحقّ . وإبليس جزء من العالم ، لم تحصل له هذه الجمعية . ولهذا كان آدم خليفة ، فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه