لشريك له في الوجود قائلا بمتماثلين في الوجود مشبها ، ومن قال بأنه فرد لا يلحقه التعدد وأفرده من جميع الوجوه وجرده عن كل ما سواه وأخرج عنه التكثر للتنزيه ، فقد جعله واحدا منزها عن الكثرة مقيدا بالوحدة ، وقع بالشرك كالأول من حيث لا يشعر ، إذ التعدد والتكثر موجود فقد أخرج بعض الموجودات عن وجوده وثبت التماثل ، ولذلك قال < شعر > ( فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ) < / شعر > أي إن كنت مثنيا للخلق مع الحق فاحذر التشبيه ، بأن تثبت خلقا غيره بل اجعل الخلق عينه بارزا في صورة التقييد والتعين < شعر > ( وإياك والتنزيه إن كنت مفردا ) < / شعر > أي وإن لم تثبت الخلق معه ، فلا تجرده عن التعدد حتى يلزم وجود متعددات غيره ، لغلوك في التنزيه فتقع فيما تهرب منه أو تعطله فتلحقه بالعدم ، بل اجعله الواحد بالحقيقة الكثير بالصفات ، فلا شيء بعده ولا شيء غيره ، واجعله عين الخلق محتجبا بصورهم ، وهذا معنى قوله قدس الله سره . < شعر > ( فما أنت هو بل أنت هو وتراه في عين الأمور مسرحا ومقيدا ) < / شعر > لأن أنت حقيقة بقيد الخطاب أي بكونها مخاطبا وهو تلك الحقيقة مقيدة بقيد الغيبة ، ولا شك أن المقيد بقيد الخطاب غير المقيد بقيد الغيبة ، بل أنت من حيث الحقيقة عين هو باعتبار التسريح والإطلاق ، وتراه في عين الأمور ، أي في صور أعيان الأشياء مقيدا بكل واحد منها مسرحا ، أي مطلقا بكونها في الكل إذ الحقيقة في صور الكل واحدة ، وكل مقيد عين المقيد الآخر وعين المسرح . قوله ( قال الله تعالى - * ( لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ ) * - فنزه ) علم أن الكاف زائدة للتأكيد أي مثله شيء أصلا بوجه من الوجوه ، ومعنى التأكيد أن المراد بالمثل من يتصف بصفاته ، كقولك : مثلك لا يفعل كذا ، أي من يتصف بمثل صفاتك من غير قصد إلى مثل بل من يناسبك في الصفات ، وإذا انتفى عمن يناسبه كان أبلغ في الانتفاء ، فيرجع معناه إلى قولك أنت لا تفعل كذا لاتصافك بصفات تأبى ذلك ( - * ( وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) * - فشبه ) لأن الخلق سميع بصير ( قال تعالى - * ( لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ ) * - فشبه وثنى ) على أن الكاف ليست بزائدة والمثل النظير فنفى مثل المثل وأثبت المثل فشبهه به وقال بالتشبيه إن المثل آخر يماثله ( - * ( وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) * - فنزه وأفرد ) إذ تقديم الضمير وتعريف الخبر يفيد الحصر أي وحده السميع البصير دون غيره ، يعنى لا سميع ولا بصير إلا هو ، فنزه عن المثل وأفرد فشبه في عين التنزيه ونزه في عين التشبيه ليعلم أن الحق هو الجمع بينهما .