الشاهد والمشهود حقا يحب الحق ( ولهذا قال بعض من لم يعرف مقاله جهالة - * ( ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى ) * - مع تسميتهم إياهم آلهة ) أي ولأن المعبود الخاص مجلى الحق لبصر هذا العابد المحجوب بتعين معبوده هو المجلى المختص ، قال من لم يعرف مقاله ولغاية جهله - * ( ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى ) * - فإنهم أثبتوا وحدة الله المقرب إليه مع تسمية معبوداتهم آلهة ، ولم يشعروا أنه إذا كان فيهم معنى الألوهية كانوا عين الله وحقيقته فما معنى التوسل بهم في التقريب ؟ ولم يشعروا أن الوسيلة إلى الإله ليس بإله فكأنهم بالفطرة عرفوا معنى الألوهية فيهم واحتجبوا بالتعينات فوقفوا مع صورة الكثرة ( كما قالوا - * ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) * - فما أنكروه بل تعجبوا من ذلك ، فإنهم وقفوا مع كثرة الصور الإمكانية ونسبة الألوهية لها ، فجاء الرسول ودعاهم إلى إله واحد يعرف ولا يشهد ) أي ما أنكروا الإله بل تعجبوا من التوحيد لوقوفهم مع كثرة الصور الإمكانية ونسبة الألوهية لها ، فاعترضهم الرسول ودعاهم إلى إله واحد يعرف من قولهم ولا يشهد ( بشهادتهم أنهم أثبتوه عندهم واعتقدوه في قولهم - * ( ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى ) * - ) * فهو معروف عندهم غير مشهود ( لعلمهم بأن تلك الصور ) أي المشهودة ( حجارة ) ليست من الألوهية في شيء ( ولذلك قامت الحجة عليهم بقوله - * ( قُلْ سَمُّوهُمْ ) * - فما يسمونهم إلا بما يعلمون أن تلك الأسماء لهم حقيقة ) كحجر وخشب وكوكب وأمثالها . ( وأما العارفون بالأمر على ما هو عليه فيظهرون بصورة الإنكار لما عبد من الصور ، لأن مرتبتهم في العلم تعطيهم أن يكونوا بحكم الوقت ) * لأنهم علموا أن الوقت مجلى عظيم من مجالى الحق يتجلى في كل وقت ببعض صفاته ، ولهذا كان الدهر اسما من أسمائه سبحانه قال عليه الصلاة والسلام « لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر » فيغلب على الناس في كل وقت حكم الوصف الذي يتجلى به في ذلك الوقت والرسول الذي ) * بعث فيه هو المظهر الأعظم لكمال ذلك الوصف ، فيدعو الخلق إلى الحق المتجلى فيه بطاعته طاعة الحق كقوله تعالى - * ( من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله ) * - فلذلك وجب الإيمان به وطاعته ، فالعارفون هم الذين يعرفونه ويحبونه أحب من أنفسهم ويتبعونه حق الاتباع ، فهم عباد الوقت لأن الوقت ) * هو الدهر الحاضر الذي قال « إن الدهر هو الله » فهم في الحقيقة عباد الوقت الحق ينقلبون مع تجلياته في الأوقات التي هي أجزاء الدهر المستمر مطيعين له دائما بحكم أوامره ونواهيه