كونه ذاتا فهو غنى عن العالمين ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرائي ، فأي اسم إلهى نظرت فيه نفسك أو من نظر فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم ، فهكذا هو الأمر إن فهمت ، فلا تجزع ولا تخف ، فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية ، وليست الحية سوى نفسك ، والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة والشيء لا يقتل عن نفسه ، وإن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها والحيال لا يزيلها ) أي فانظر في هذه المثال مرآة واحدة هي مرآة الذات الأحدية ، ولا تنظر المرايا الأسمائية ، وفيه تحريض على التوجه إلى الذات الأحدية على إطلاقها عن كل قيد وحصر في عقد ، وذلك بإفناء الاعتقادات المتجزية التحديدية والتقييدية صورة ومعنى ، وتشجيع للطالب السالك سبيل الحق على كسر أصنام المعتقدات كلها ، ورفع حجب التعينات بأسرها ، حتى يشهد الحق المحض الشاهد المشهود على الحقيقة في عين كل شيء غير منحصر فيه وفي تعينه ولا في الكل ، بل مطلقا جامعا بين التعين واللاتعين فيكون سويا على صراط مستقيم - * ( صِراطِ الله الَّذِي لَه ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الأُمُورُ ) * - ولا عوج ولا التواء ولا ميل ولا تعرج في سير الله كالحية ، ولا حية إلا نفسك - * ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِه أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) * - فالميل إلى اختلاف المذاهب والمعتقدات ومعارج طرق الحضرات ، إنما هو كانسياب الحيات فاجتنبها واتبع الطريقة المحمدية في قوله تعالى - * ( ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ من الأَمْرِ فَاتَّبِعْها ) * - أي فاتبع الطريقة - * ( ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) * - فاقتل حية نفسك في التقييد بتعينك ، ومعنى قوله : والحية حية لنفسها أن كل متعين نفسك كان أو غيرها فهو حى بحياته تعالى متعين بحقيقته فكيف يقتل عن نفسه ، وإن أفسدت صورته في الحس فهو باق في العلم بالعين وفي الخيال بالمثال ، فلا سبيل إلى إخفائه الطريق ، فالطريق هو التحقيق بالحق ، والنظر إلى العين بالفناء ، حتى يتجلى لك فتشهده بفناء الكل به ، ويتحقق معنى قوله - * ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَه ) * - . ( وإذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات والعزة والمنعة ، فإنك لا تقدر على إفساد الحدود ، وأي عزة أعظم من هذه العزة فتتخيل بالوهم أنك قتلت . وبالعقل والوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد ، والدليل على ذلك - * ( وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى ) * - والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها هذا الرمي في الحس ، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ، ثم أثبته لها وسطا ، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية ، ولا بد من الإيمان بهذا فانظر إلى هذا المؤثر حتى نزل الحق في صورة محمدية وأخبر الحق نفسه عباده بذلك ، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن