العلماء بنفسه ، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه ، ثم قال - * ( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) * - وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم ، فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حددوه بذلك التنزيه ، وذلك لقصور العقل عن إدراك مثل هذا ) يعنى العقول البشرية المفيدة بالنظر الفكرى ، لا العقول المنورة بنور التجلي والكشف الشهودى . ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام ، فلم تخل الحق عن صفة يظهر فيها ، كذا قالت وبذا جاءت ، فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فألحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به - * ( رُسُلُ الله الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَه ) * - فاللَّه أعلم موجه له وجه بالخبرية إلى رسل الله ، وله وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالته ) والوجه الأول : أن يوقف على قولهم - * ( لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ ) * - أي هذا الرسول على أن القول قد تم وابتدأ بقوله - * ( رُسُلُ الله ، الله ) * - بمعنى أن رسل الله هم الله ، وأعلم خبر مبتدإ محذوف أي هو أعلم حيث يجعل رسالاته ، والمعنى رسل الله صورته والله هويتهم ، وهو من حيث هم وهم من حيث هو أعلم من حيث يجعل رسالاته ، وإذا كان الله هوية الرسل والرسل صورته كان تشبيها في عين تنزيه . والوجه الثاني هو المشهور ظاهرا ( وكلا الوجهين حقيقة فيه فلذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه ، وبالتنزيه في التشبيه ) أي فلأن الوجه المذكور أولا حقيقة كالوجه الثاني قلنا بالتشبيه في عين التنزيه ، ونفى الغيرية في إثبات الوحدة الحقيقية كقوله عليه الصلاة والسلام « هذه يد الله » وأشار إلى يمينه المباركة ، وهذا الحديث أوله أهل الحجاب وآمن به أهل الإيمان ، وعاين أهل الكشف والشهود أن يده صلى الله عليه وسلم عين يد الله العليا في قوله - * ( يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) * - وكانت يد رسول الله فوق أيديهم رأى أعيان ( وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور ونسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق ولكن قد أمرنا بالستر ) أي بعد تقدير قاعدة الجمع بين التنزيه والتشبيه نسدل الغطاء على عين المنتقد ، أي المحقق العاقل الذي خلاصة المذاهب بالنظر العقلي البرهاني ، والمعتقد أي المقلد لما اعتقده بالعقد الإيماني وإن كانا من جملة مظاهر الحق ومجاليه ، ولكن قد أمرنا بالستر عنهم وأن نكلمهم على حسب نظرهم واعتقادهم بموجب زعمهم ، كما قيل : كلموا الناس على قدر عقولهم ، فإن الله تعالى قال - * ( وما أَرْسَلْنا من رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِه ) * - وما أمكنهم فهمه ( ليظهر تفاضل استعداد الصور ، وإن المتجلى في صورة بحكم استعداد تلك الصورة ، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها