مما هم عليه ، فإن كان ظلم فهم الظالمون ، لذلك قال - * ( ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) * - فما ظلمهم الله ، كذلك ما قلنا لهم إلا ما أعطته ذاتنا أن نقول لهم ، وذاتنا معلومة لنا بما هي عليه من أن نقول كذا ولا نقول كذا ، فما قلنا إلا بما علمنا أن نقول ، قلنا القول منا ولهم الامتثال وعدم الامتثال مع السماع منهم ) هذا كلام ظاهر اللفظ ، والمعنى حاصلة أن كمال المعرفة والعلم بحقائق الأمور يقتضي حفظ الأدب مع الله تعالى وعدم الظهور بالتصرف وإرسال الهمة على شيء ، فإن العارف المحقق يعلم أنه لا يظهر في الوجود إلا ما كان في العلم الأزلى ، وما كان في العلم أن يقع لا بد أن يقع ، وما كان فيه أن لا يقع فمحال أن يقع ، فالأمر بين فاعل عالم بما في قوة القابل ، والقابل لا يقبل إلا ما في استعداده الذاتي الغير المجعول ، فعلى أي شيء يرسل الهمة ، وأي فائدة في إرسالها ؟ فإن المعلوم وقوعه أو لا وقوعه لا يتغير بهمته ، ولا يتأخر عن وقته المقدر فيه ولا يتقدم عليه ، والقابل لا يقبل إلا ما علم الفاعل أن يقبله ، والفاعل لا يفعل إلا ما يقتضي قبوله ، فإن الأعيان مقتضية بما تجرى عليها حالة الوجود من الأزل إلى الأبد والفاعل العالم لا يعلم منها إلا ذلك ، والنسب الأسمائية مؤثرة فيها بمقتضى العلم والقبول ، فلذلك قال : ما قلنا لهم إلا ما أعطته ذاتنا أن نقول لهم ، فإن الأعيان عين الذات الأحدية المتجلية بصورها وذاتنا معلومة لنا بما هي عليه من أن نقول كذا ولا نقول كذا ، لأن علمه بذاته علمه بالأعيان كلها فقوله للأعيان بالكون على ما هي عليه مقتضى علمه ، والامتثال وعدم الامتثال مع سماع القول منهم مبنى على ما فيها وعلم منها أزلا : < شعر > ( فالكل منا ومنهم والأخذ عنا وعنهم ) < / شعر > منا من حيث حضرتنا الأسمائية ، ومنهم من حيث الأعيان الظاهرة بالوجود الحق المظهرة لحقائق الأسماء على قابلياتها واستعداداتها الذاتية ، وأخذ العلم الحقيقي عنا ، فإنا نعطى من فضلنا ما نشاء من نشاء ، كما قال - * ( ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيه من يَشاءُ ) * - وعنهم : أي العلم مأخوذ من الأعيان المعلومة وهي نحن ، فإن العلم منه أولا بذاته ثم بالأعيان التي هي مظهر حقائق ذاته ، والعلم بالأعيان ليس إلا علمه بذاته إذ لا معلوم إلا هو : < شعر > ( وإن لم يكونوا منا فنحن لا شك منهم ) < / شعر >