( وما أحسن ما قال الله تعالى في حق العالم وتبدله مع الأنفاس في خلق جديد في عين واحدة ، فقال في حق طائفة بل أكثر العالم - * ( بَلْ هُمْ في لَبْسٍ من خَلْقٍ جَدِيدٍ ) * - فلا يعرفون تجديد الأمر على الأنفاس ) الطائفة المقول في حقهم هذا هم أهل النظر وتبدل العالم مع الأنفاس وكونه على الأنفاس في خلق جديد ، مع أن العين الواحدة التي هي حقيقة الحق بحالها هو أن العالم بمجموعه متغير أبدا ، وكل متغير يتبدل بعينه مع الآنات فيكون في كل آن متعينا غير المتعين الذي هو في الآن الآخر مع أن العين الواحدة التي يطرأ عليها هذه التغيرات بحالها ، فالعين الواحدة هي حقيقة الحق المتعينة بالتعين الأول ، ومجموع الصور أعراض طارئة مبتدأة متبدلة في كل آن وهم لا يعرفون حقيقة ذلك ، فهم في لبس من هذا التجدد الدائم في الكل ، فالحق مشهود دائما في هذه التجليات المتعاقبة ، والعالم مفقود أبدا لفنائه في كل طرفة وحدوثه في صورة أخرى ( لكن عثرت عليه الأشاعرة في بعض الموجودات وهي الأعراض وعثرت عليه الحسبانية في العالم كله وجهلهم أهل النظر بأجمعهم ولكن أخطأ الفريقان أما خطأ الحسبانية فبكونهم ما عثروا مع قولهم بالتبدل في العالم بأسره على أحدية عين الجوهر المعقول الذي قبل هذه الصورة ولا يوجد إلا بها كما لا تعقل إلا به ، فلو قالوا بذلك فازوا بدرجة التحقيق في الأمر ، وأما الأشاعرة فما علموا أن العالم كله مجموع أعراض فهو يتبدل في كل زمان ، إذ العرض لا يبقى زمانين ) الحسبانية : السوفسطائية ، ومذهبهم أن العالم يتبدل مع الآنات ، لكنهم ما أثبتوا الحقيقة الأحدية التي هي وجه الحق بالحقيقة وهي التي تتبدل عليها صور العالم ، فغابوا عن الحق وتجلياته الغير المتناهية ، والحقيقة مع التعين الأول اللازم للعلم بذاته ، هي عين الجوهر المعقول الذي قبل هذه الصورة المسماة عالما ، وهو المسمى بالعقل الأول وأم الكتاب ، وهو روح العالم فلا يوجد العالم إلا به ، وتأنيث الضمير وتذكيره في بها وبه باعتبار العين والجوهر ، وبالحقيقة هي المرآة الأولى التي ظهر وجه الحق فيها ، ولو لا ذات الحق لما وجدت ، ولكن لما كان هذا الجوهر معقولا غير مشهود إلا لمن غيبه شهادة ، كان الحق مشهودا في العالم وهو كالمرآة الثانية في التحقيق والمرآة الأولى بالنسبة إلى أهل البصر ، كما أن روحه هي المرآة الأولى لأهل البصيرة ، وكما لا توجد صور العالم إلا بذلك الجوهر فكذلك لا يعقل إلا به لأنه العاقل والمعقول ، فلو عرفت الحسبانية تلك الحقيقة لفازوا بدرجة التحقيق في معرفته وأما الأشاعرة فلم يعرفوا حقيقة العالم ، وأن العالم ليس إلا مجموع هذه الصور التي يسمونها أعراضا ، وأثبتوا جواهر ليست