مشهودة في عين واحدة كما أن الهيولى تؤخذ في حد كل صورة ، وهو مع كثرة الصور واختلافها ترجع في الحقيقة إلى جوهر واحد وهو هيولاها ، فمن عرف نفسه بهذه المعرفة فقد عرف ربه ، فإنه على صورته خلقه بل هو عين هويته وحقيقته ) الضمير في ليس وعين الآخر خبر بعد خبر ، أي وليس الرزق في الأزمنة رزقا واحدا حتى يكون هذا عين الآخر لأن الشبيهين غيران عند أهل التحقيق متشابهان فكذلك التجليات المتعاقبات ، وأن بالفتح في أنهما مع اسمها وخبرها مبتدأ وخبره الظرف المقدم أو فاعل الظرف ، والجملة الظرفية خبر إن بالكسر وغيران بدل من شبيهان أو صفة بمعنى متغايران ، ويجوز أن يكون أنهما في محل النصب على أنه مفعول العارف ، والألف واللام بمعنى الموصول وغير ان خبر إن بالكسر ، والمعنى فإن الشبيهين عند الذي يعرف أنها شبيهان غيران فتكون عند ظرفا للمغايرة التي دل عليها غيران ، وفي بعض النسخ عند العارف فمن حيث إنهما شبيهان فعلى هذا فالوجه هو الأول ، فالحقيقة واحدة والتعينات متعددة ، فيرى صاحب التحقيق كثرة التعينات في العين الواحدة المتظاهرة في صورة متشابهة غير متناهية ، كما أن مدلول القادر والعالم والخالق والرازق واحد بالحقيقة مع اختلاف معانيها وهو الله تعالى فاختلاف معانى الأسماء كثرة معقولة اعتبارية في مسمى واحد العين ، أي واحد عينه لا كثرة في حقيقته ، فالتجلى في صورة كل اسم كثرة مشهودة في عين واحدة ، وكذا في التارات تكون التجليات المتعاقبة المتشابهة واحدة بالحقيقة كثيرة بالتعينات على ما مثله في الهيولى ، فإنك تأخذها في حد كل صورة من الصور الجوهرية ، فتقول : إن الجسم جوهر ذو مقدار ، والنبات جسم نام ، والحجر جسم جامد ثقيل صامت ، والحيوان جسم نام حساس متحرك بالإرادة ، والإنسان حيوان ناطق ، فقد أخذت الجوهر حد الجسم ، والجسم الذي هو الجوهر في حد سائرها ، فيرجع الجميع إلى الحقيقة الواحدة التي هي الجوهر ، فمن عرف نفسه بهذه المعرفة أي بأنها حقيقة الحق الظاهرة في هذه الصورة وجميع صور الأشياء إلى ما لا يتناهى فقد عرف ربه ، خصوصا الإنسان الكامل ، فإنه مع كونه غير حقيقة خلقه على صورة الحضرة الإلهية بجميع أسمائها . ( ولهذا ما عثر أحد من العلماء على معرفة النفس وحقيقتها إلا الإلهيون من الرسل ، والأكابر من الصوفية ، وأصحاب النظر وأرباب الفكر من القدماء والمتكلمين في كلامهم في النفس وماهيتها ، فما منهم من عثر على حقيقتها ولا يعطيها النظر الفكرى أبدا ) لكون الفكر محجوبا بالتقييد كما ذكر ( فمن طلب العلم بها من طريق النظر الفكرى فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم ، لا جرم أنهم من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فمن طلب الأمر من غير طريقه فما ظفر بتحقيقه ) هذا ظاهر .