في نفس الأمر ، والعجب أن خدمتهم لتلك الأحوال أيضا من جملة أحوالهم التي هم عليها في حال ثبوت أعيانهم ، ثم استثنى عن العموم استثناء منقطعا بقوله ( إلا أن الخادم المطلوب هنا إنما هو واقف عند مرسوم مخدومه ، إما بالحال أو بالقول ) أي لكن الخادم المراد هاهنا إنما يقوم بما رسمه مخدومه فهو واقف عند رسمه إما بالحال أو باسمه لقول والمخدوم حال الممكن ، فإن حاله إذا اقتضت المعالجة أو المرض ، فكما ازداد أطباء الأرواح هداية ازدادوا عنادا ، لقوله - * ( وأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ ) * - وقوله - * ( فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا من بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً ) * - هذا بالحال ، وأما بالقول ، فلقوله - * ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا من بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) * - وكذلك أطباء الأبدان إذا عالجوا المرضى الذين مآلهم إلى الهلاك ، كلما ازدادوا في المداواة ازدادوا مرضا وضعفا بالحال ، وأما بالقول فكما أخطئوا في العلاج وأمروا المريض بما فيه الهلاك ( فإن الطبيب إنما يصح أن يقال فيه خادم الطبيعة لو مشى بحكم المساعدة لها ، فإن الطبيعة قد أعطت في جسم المريض مزاجا خاصا به سمى مريضا ، فلو ساعدها الطبيب خدمة لزاد في كمية المرض بها أيضا ، وإنما يردعها طلبا للصحة ، والصحة من الطبيعة أيضا بإنشاء مزاج آخر يخالف هذا المزاج ، فإذن ليس الطبيب بخادم الطبيعة وإنما خادم لها من حيث أنه لا يصح جسم المريض ولا يغير ذلك المزاج إلا بالطبيعة أيضا ، ففي حقها يسعى من وجه خاص غير عام لأن العموم لا يصح في مثل هذه المسألة ) هذا تعليل للاستثناء من عموم خدمة الطبيب للطبيعة في جميع الأحوال ، فإن الطبيعة إذا أحدثت مزاجا مرضيا كالدق ، أو حالا مخالفا للصحة كالإسهال ، فإن الطبيب لا يساعدها في ذلك ولا يخدمها وإلا لزاد في المرض ، وإنما يمنع الطبيعة عن فعلها المخالف للصحة ويردعها طلبا للصحة ، لكن الصحة لما كانت أيضا من فعلها بإنشاء مزاج مخالف لمزاج المرضى أو حال موافق للصحة كالقبض في مثالنا وفي الجملة ما به الصحة يسمى خادما لها لأن الصحة أيضا إنما هي بالطبيعة ، فإذن ليس الطبيب بخادم الطبيعة مطلقا ، بل إنما هو خادم لها من جهة ما يصلح جسم المريض ، ويغير المزاج العرضي المرضى إلى المزاج الطبيعي الصحيحي ، وذلك لا يكون إلا بالطبيعة أيضا فهو يخدمها ويسعى في حقها من وجه خاص ، أي من جهة ما يصلح جسم المريض ويصححه ( فالطبيب خادم ) أي من جهة الإصلاح ( لا خادم أعنى للطبيعة ) أعنى من جهة الإفساد والإعداد لهلاك ( كذلك الرسل والورثة في خدمة الحق ) أي يخدمون الأمر الإلهي