ثم لأخذ الاعتراف طرق كثيرة ، ينبغي أن يتبع إحدى الوصايا الآتية ( 1 ) لتحقيقها : 1 - ألا يطلب من أول الأمر التسليم من الخصم بالمقدمة اللازمة لنقض وضعه . وبعبارة ثانية : ينبغي ألا يقتحم الميدان في الجدل في أول جولة بالسؤال عن نفس المقدمة المطلوبة له . والسر في ذلك أن المجيب حينئذ يكون في مبدأ قوته وانتباهه ، فقد يتنبه إلى مطلوب السائل فيسرع في الإنكار ويعاند . 2 - وإذا انتهى به السؤال عن المطلوب ، فلا ينبغي أيضا أن يوجه السؤال رأسا عن نفس المطلوب ، خشية أن يشعر الخصم فيفر من الاعتراف ، بل له مندوحة عن ذلك باتباع أحد الطرق أو الحيل ( 2 ) الآتية : الأولى : أن يوجه السؤال عن أمر أعم من مطلوبه ، فإذا اعترف بالأعم ألزمه قهرا بالاعتراف بالأخص بطريقة القياس الاقتراني . الثانية : أن يوجه السؤال عن أمر أخص ، فإذا اعترف به فبطريقة الاستقراء يستطيع أن يلزم خصمه بمطلوبه . الثالثة : أن يوجه السؤال عن أمر يساويه ، فإذا اعترف به فبطريقة التمثيل يتمكن من إلزامه إذا كان ممن يرى التمثيل حجة . الرابعة : أن يعدل عن السؤال عن الشئ إلى السؤال عما يشتق منه ،
إن الناس ليختلفون كثيرا في أخلاقهم وأمزجتهم ، فمنهم الخجول الحيي والوقح الصلف ، وبينهما درجات كثيرة . ومنهم الصبور الجلد على الكلام والجدل ، والضعيف المستخذي ، وبينهما درجات كثيرة أيضا . ومنهم اللبق اللسن والعي المتلعثم ، وبينهما درجات . ومنهم المعتد برأيه المتصلب لعقيدته والمقلد المطواع لغيره ، وبينهما درجات . وكل واحد من هذه الأصناف له شأن يخصه في طريق المجادلة ينبغي على السائل ان يلاحظه ، بعد أن يعرف منزلة خصمه بين هذه المنازل ، حتى يتبع أية طريقة من الطرق الآتية التي تناسبه . ومن هنا قيل في المثل المشهور : لكل مقام مقال . ( * * ) لا ضير في اتباع مثل هذه الحيل في مخاصمة ذوي العناد والاستكبار على الحق .