اعتباريان جعليان : الأول : الوجود الخارجي ، كوجودك ووجود الأشياء التي حولك ونحوها ، من أفراد الإنسان والحيوان والشجر والحجر والشمس والقمر والنجوم . . . إلى غير ذلك من الوجودات الخارجية التي لا حصر لها . الثاني : الوجود الذهني ، وهو علمنا بالأشياء الخارجية وغيرها [1] من المفاهيم . وقد قلنا سابقا : إن للإنسان قوة تنطبع فيها صور الأشياء ، وهذه القوة تسمى " الذهن " والانطباع فيها يسمى " الوجود الذهني " الذي هو العلم . وهذان الوجودان هما الوجودان الحقيقيان . لماذا ؟ لأنهما ليسا بوضع واضع ولا باعتبار معتبر . الثالث : الوجود اللفظي ، بيانه : إن الإنسان لما كان اجتماعيا بالطبع ومضطرا للتعامل والتفاهم مع باقي أفراد نوعه ، فإنه محتاج إلى نقل أفكاره إلى الغير وفهم أفكار الغير . والطريقة الأولية للتفهيم هي أن يحضر الأشياء الخارجية بنفسها ليحس بها الغير بإحدى الحواس فيدركها ، ولكن هذه الطريقة من التفهيم تكلفه كثيرا من العناء ، على أنها لا تفي بتفهيم أكثر الأشياء والمعاني ، إما لأنها ليست من الموجودات الخارجية ، أو لأنها لا يمكن إحضارها ، فألهم الله تعالى الإنسان طريقة سهلة سريعة في التفهيم ، بأن منحه قوة على الكلام والنطق بتقاطيع الحروف [2] ليؤلف منها الألفاظ .
[1] من الأعدام والمحالان ، أي : كالعدم والممتنع و . . . [2] أي : أنواع الحروف ، قال في المعجم الوسيط : قطع الفرس الجري : جرى ضروبا من الجري لمرحه ونشاطه .