إحساسنا ، فيحصل بتكرر المشاهدة ما يوجب أن يرسخ في النفس حكم لا شك فيه ، كالحكم بأن كل نار حارة ، وأن الجسم يتمدد بالحرارة . ففي المثال الأخير عندما نجرب أنواع الجسم المختلفة : من حديد ونحاس وحجر وغيرها مرات متعددة ، ونجدها تتمدد بالحرارة ، فإنا نجزم جزما باتا بأن ارتفاع درجة حرارة الجسم من شأنها أن تؤثر [1] التمدد في حجمه ، كما أن هبوطها يؤثر التقلص فيه . وأكثر مسائل العلوم الطبيعية والكيمياء والطب من نوع المجربات . وهذا الاستنتاج في التجربيات من نوع الاستقراء الناقص المبني على التعليل الذي قلنا عنه في الجزء الثاني : إنه يفيد القطع بالحكم . وفي الحقيقة : أن هذا الحكم القطعي يعتمد على قياسين خفيين [2] : استثنائي واقتراني يستعملهما الإنسان في دخيلة نفسه وتفكيره من غير التفات غالبا . والقياس الاستثنائي هكذا : لو كان حصول هذا الأثر اتفاقيا لا لعلة توجبه لما حصل دائما [3] . ولكنه قد حصل دائما ( بالمشاهدة ) / حصول هذا الأثر ليس اتفاقيا ، بل لعلة [4] توجبه .
[1] من شأنه أن يؤثر ، ظ . [2] راجع شرح المنظومة : ص 90 ، وشرح المطالع : ص 334 ، والقواعد الجلية : ص 395 ، والجوهر النضيد : ص 170 ، والنجاة : ص 61 . [3] المراد من الدوام هنا هو حصول الشئ مكررا من دون تخلف ، لا الدوام بمعناه المعهود الذي قد مر في الموجهات . [4] لا يخفى بملاحظة ما سيأتي في الفرق بينهما وبين الحدسيات ، أن المراد من " العلة " ليس هي العلة المعلومة بالنوع أو الشخص ، بل المراد أصل وجود علة لها ، وإن لم يعلم أنها ما هي ؟ ولكن يرد عليه أن التجربي يعين العلل فيقول : السقمونيا علة لإسهال الصفراء ، والحرارة علة للانبساط ، والبرودة علة للانقباض .