وقد يشاركه فيه بعض الحيوانات . 3 - ثم يتوسع في إدراكه إلى أكثر من المحسوسات ، فيدرك المعاني الجزئية التي لا مادة لها ولا مقدار ، مثل حب أبويه له وعداوة مبغضيه ، وخوف الخائف [1] ، وحزن الثاكل ، وفرح المستبشر . . . وهذا هو " العلم الوهمي " يحصل عليه الإنسان كغيره من الحيوانات بقوة الوهم . وهي - هذه القوة - موضع افتراق الإنسان عن الحيوان ، فيترك الحيوان وحده يدبر إدراكاته بالوهم فقط ويصرفها بما يستطيعه من هذه القوة والحول المحدود . 4 - ثم يذهب هو - الإنسان - في طريقه وحده متميزا عن الحيوان بقوة العقل والفكر التي لا حد لها ولا نهاية ، فيدبر بها دفة مدركاته الحسية والخيالية والوهمية ، ويميز الصحيح منها عن الفاسد ، وينتزع المعاني الكلية من الجزئيات التي أدركها ، فيتعقلها ويقيس بعضها على بعض ، وينتقل من معلوم إلى آخر ، ويستنتج ويحكم ، ويتصرف ما شاءت له قدرته العقلية والفكرية . وهذا العلم الذي يحصل للإنسان بهذه القوة هو العلم الأكمل الذي كان به الإنسان إنسانا ، ولأجل نموه وتكامله وضعت العلوم والفت الفنون ، وبه تفاوتت الطبقات واختلفت الناس . وعلم المنطق وضع من بين العلوم لأجل تنظيم تصرفات هذه القوة خوفا من تأثير الوهم [2] والخيال عليها ومن ذهابها في غير الصراط المستقيم لها .
[1] لا يخفى أنه ليس المراد درك الخائف وجود خوفه وإلا لكان علما حضوريا بل المراد درك مفهوم الخوف مضافا إلى خائف خاص أعم من أن يكون هو نفسه أو غيره ، حتى يكون من المفهوم المضاف إلى جزئي وهو العلم الوهمي ، وهكذا في خزن الثاكل وفرح المستبشر . [2] قال في أسرار الحكم ص 222 : إذا لم يكن الوهم كالكلب المعلم فإنه يتنازع مع العاقلة ، ويحكم بخلافها ولا يذعن لأحكام العاقلة .