خلي الإنسان وعقله المجرد وحسه ووهمه ولم تحصل له أسباب الشهرة الآتية ، فإنه لا يحصل له حكم بهذه القضايا ولا يقضي عقله أو حسه أو وهمه فيها بشئ . ولا ينافي ذلك أنه بنفسه يمدح العادل ويذم الظالم ، ولكن هذا غير الحكم بتطابق الآراء عليها [1] . وليس كذلك حال حكمه بأن الكل أعظم من الجزء كما تقدم ، فإنه لو خلي ونفسه كان له هذا الحكم . وعلى هذا فيكون الفرق بين المشهورات [2] واليقينيات - مع أن كلا منهما تفيد تصديقا جازما - أن المعتبر في اليقينيات كونها مطابقة لما عليه الواقع ونفس الأمر المعبر عنه بالحق واليقين ، والمعتبر في المشهورات مطابقتها لتوافق [3] الآراء عليها ، إذ لا واقع لها غير ذلك . وسيأتي ما يزيد هذا المعنى توضيحا . ولذلك ليس المقابل للمشهور هو " الكاذب " [4] بل الذي يقابله " الشنيع " وهو الذي ينكره الكافة أو الأكثر . ومقابل الكاذب هو الصادق . أقسام المشهورات [5] : اعلم أن المشهورات قد تكون مطلقة ، وهي المشهورة عند الجميع . وقد تكون محدودة ، وهي المشهورة عند قوم دون قوم ، كشهرة امتناع التسلسل عند المتكلمين ( 6 ) . وتنقسم أيضا إلى جملة أقسام بحسب اختلاف أسباب الشهرة . وهي حسب الاستقراء يمكن عد أكثرها كما يلي :
[1] عليهما ، ظ - أي المدح والذم . [2] بالمعنى الأخص . [3] والمعتبر في المشهورات توافق الآراء عليها ، ظ . [4] لأن المشهور لا واقع لها وراء توافق الآراء يطابقه حتى يكون صادقا . [5] أي تقسيمات المشهورات . وتنقسم أيضا إلى : حقيقية وظاهرية وشبيهة بالمشهورات . وسيأتي بيانها في صناعة الجدل - المبحث السابع من الباب الأول - كما سيأتي هناك زيادة توضيح عن المشهورات .