نام کتاب : المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 1 صفحه : 155
على الله رزقها » [1] واليقين بأنّ ذلك يأتيه وأنّ ما قدّر له سيساق إليه ، ومهما غلب ذلك على قلبه كان مجملا في الطلب ولم يشتدّ حرصه وشرهه وتأسّفه على ما يفوته ، وأثمر هذا اليقين أيضا جملة من الطاعات والأخلاق الحميدة ومن ذلك أن يغلب على قلبه أنّ من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره وهو اليقين بالثواب والعقاب حتّى يرى نسبة الطاعات إلى الثواب كنسبة الخبز إلى الشبع ونسبة المعاصي إلى العقاب كنسبة السموم والأفاعي إلى الهلاك ، فكما يحرص على تحصيل الخبز طالب الشبع فيحفظ قليله وكثيره فكذلك يحرص على الطاعة قليلها وكثيرها وكما يجتنب قليل السمّ وكثيره فكذلك يجتنب قليل المعاصي وكثيرها وصغيرها وكبيرها ، واليقين بالمعنى الأوّل قد يوجد لعموم المؤمنين ، أمّا بالمعنى الثاني فيختصّ به المقرّبون وثمرة هذا اليقين صدق المراقبة في الحركات والسكنات والخطرات ، والمبالغة في التقوى والتحرّز عن السيّئات ، وكلَّما كان اليقين أغلب كان الاحتراز أشدّ والتشمّر أبلغ ، ومن ذلك اليقين بأنّ اللَّه تعالى مطَّلع عليك في كلّ حال ومشاهد لهواجس ضميرك وخفايا خواطرك وفكرك وهذا متيقّن عند كلّ مؤمن بالمعنى الأوّل وهو عدم الشكّ ، وأمّا بالمعنى الثاني وهو المقصود فهو عزيز جدّا يختصّ به الصدّيقون وثمرته أن يكون الإنسان في خلوته متأدّبا في جميع أحواله وأعماله كالجالس بمشهد ملك عظيم ينظر إليه لا يزال مطرقا متأدّبا متماسكا محترزا عن كلّ حركة تخالف هيئة الأدب ويكون في فكرته الباطنة كهو في أعماله الظاهرة إذ يتحقّق أنّ اللَّه تعالى مطَّلع على سريرته كما يطَّلع الخلق على ظاهره فتكون مبالغته في عمارة باطنه وتطهيره وتزيينه لعين اللَّه الكالئة [1] أشدّ من مبالغته في تزيين ظاهره لسائر الناس ، وهذا المقام في اليقين يورث الحياء والخوف والانكسار والذلّ والاستكانة والخضوع وجملة من الأخلاق المحمودة ، وهذه الأخلاق تورث أنواعا من الطاعات رفيعة ، فاليقين في كلّ باب من هذه الأبواب مثل الشجرة ، وهذه الأخلاق في القلب مثل الأغصان المتفرّعة منها وهذه الأعمال والطاعات الصادرة من الأخلاق كالثمار والأنوار المتفرّعة من الأغصان ،