أُسسها صدر المتألّهين لم تكن تلفيقاً ولا اقتباساً من الآخرين ; لأنّنا عندما نقف على الأصول والقواعد التي نقّحها وبرهن عليها نجدها على أقسام : الأوّل : إنّ بعض تلك القواعد لم تكن مطروحة في كلمات السابقين عليه من الفلاسفة والعرفاء والمتكلّمين ، وإنّما طرحت في كلماته لأوّل مرّة . الثاني : كان قسمٌ منها مذكوراً في كلمات السابقين ولكنّه كان مرفوضاً لعدم قيام البرهان عليه . الثالث : إنّ هناك جملة من المسائل ورد ذكرها في كتب العرفاء السابقين عليه ، إلاّ أنّها كانت تفتقر إلى الدليل العقلي الذي يثبتها . فاتّضح مما تقدّم أنّ المنهج الذي اتّبعه صدر المتألّهين لكشف حقائق الوجود ومعرفة أسراره لم يكن هو الاستدلال العقلي المحض ، كما رأينا في الحكمة المشّائية ، ولا المشاهدة والمكاشفة فقط كما هو الحال عند العرفاء ، وليس هو الانطلاق من ظواهر الشريعة منعزلاً عن البرهان والعرفان كالمتكلّمين ، وإنّما اعتمد في منهجه البرهان والعرفان والقرآن جنباً إلى جنب . يقول الطباطبائي : « الذي يظهر من كلام صدر المتألّهين أنّه انتهى في آخر المرحلة الأولى من حياته العلمية إلى أنّه لا ينبغي للحكيم أن يكتفي بالاستدلال العقلي المحض - الذي هو مسلك المشّائين - للوصول إلى الحقائق العلمية وخصوصاً في المعارف الإلهية . بل الجهد الفكري للإنسان كما يستطيع الوصول إلى القواعد الكلّية الفلسفية من خلال القياسات المنطقية ، كذلك يستطيع الوصول إلى الحقائق والمعارف من خلال نمط آخر من الجهد الإنساني وهو الكشف والشهود . وكما أنّ بعض نتائج القياسات المنطقية والاستدلالات العقلية لا ريب في مطابقتها للواقع والكشف عنه ، كذلك هناك موارد للكشف والشهود فيها الخصوصية المتقدّمة نفسها ، وإذا ثبت لنا