النورانية وسترتقي إلى السكينة الإلهية الثابتة » [1] . والواضح من عبارة السهروردي هذه أنّ الطريق لدرك العلوم الإلهية والمعارف الحقيقية إنّما يكمن بتهذيب النفس والمداومة على الأمور المقرّبة إلى عالم القدس والطهارة ، ولكن هذا ليس بمعنى ردّ النظر والفكر والاستدلال العقلي - كما قد يتوهّم بعضٌ من أنّ هذا الاتّجاه لا يختلف عن المسلك العرفاني - بل بالعكس ; فإنّ شيخ الإشراق يصرّح بأهمّية دور الاستدلال العقلي في المنهج الذي يتّبعه للوصول إلى الغاية المطلوبة ، فلهذا يقول : « إنّه لا يمكن فهم حقيقة الحكمة الإشراقية ما لم يكن الحكيم ماهراً في العلوم البحثية والمناهج الاستدلالية البرهانية » ، والشاهد على ذلك هو أنّه ينصح بمطالعة كتاب « التلويحات » ثمّ « المشارع والمطارحات » قبل الوقوف على كتابه الأساسي الذي يبيّن فيه أصول مذهبه الفلسفي وهو « حكمة الإشراق » ، الذي يعبّر عنه صدر الدين الشيرازي : « بأنّه قرّة عيون أصحاب المعارف والأذواق » [2] . يقول في كتاب « المطارحات » : « ومن لم يتمهّر في العلوم البحثية ، فلا سبيل له إلى كتابي الموسوم ب - ( حكمة الإشراق ) ، وهذا الكتاب ينبغي أن يقرأ قبله وبعد تحقيق المختصر الموسوم ب - ( التلويحات ) » . ( 1 ) وهذه العبارة خير دليل على أنّ الحكمة الإشراقية لا تخالف الفلسفة المشّائية في إعطاء العقل والاستدلال البرهاني موقعه الخاصّ به ، ولكن لا تكتفي بالعقل وحده في إدراك الحقائق ، بل تحاول الاستعانة بهما
[1] شعاع انديشه وشهود در فلسفة سهروردي ( فارسي ) ، د . غلامحسين إبراهيمي ديناني ، منشورات الحكمة : ص 47 . [2] المبدأ والمعاد ، تأليف صدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي بتقديم وتصحيح السيّد جلال الدين آشتياني ، ومقدمة السيّد حسين نصر : ص 191 .