ما كان بنعت العيان . فعلم اليقين لأرباب العقول ، أعني أرباب العقول المؤيّدة من عند الله ، كعقول الحكماء الإلهيين المطّلعين على حقائق الأشياء على ما هي عليه ، المخصوصين بالخير الكثير في قوله تعالى : * ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) * [1] . والخير الكثير هو العلوم والحقائق والاطّلاع على سرّ القدر ، الحاصلة من الحكمة الإلهية المخصوصة بهم ، أي بالحكماء الإلهيين لا الحكماء الفلاسفة المبعدين عنها . وعين اليقين لأصحاب العلوم - أي العلوم الحقيقية الإرثية الإلهية المتقدّم ذكرها - التي هي علوم الأنبياء والأولياء والمرسلين ، الحاصلة لهم بالوحي والإلهام والكشف ، الواصلة إلى تابعيهم بالإرث ، لقوله « عليه السلام » : العلماء ورثة الأنبياء . وحقّ اليقين لأصحاب المعارف أي الأنبياء والأولياء والكمّل الذين حصّلوا معرفة الله ومعرفة الأشياء - على ما هي عليه - بالكشف والمشاهدة والذوق والفناء وغير ذلك . ومثال هذه المراتب الثلاث ، مثال شخص وُلد في بيت مظلم وهو مكفوف العين ، وما كان يقدر أن يطّلع ولا أن يشاهد جرم الشمس وأنوارها المشرقة على الآفاق ، ولكن سمع بذكرها واطّلع على أوصافها وكيفية طلوعها وغروبها وكمال إشراقها وغير ذلك . فإذا طلع من البيت وفتح عينيه وشاهد طلوع الصبح الصادق الذي هو أعظم علامة من علامات طلوع الشمس فهو بمثابة علم اليقين ، لأنّه لا يشكّ أحد في أنّ بعد طلوع الصبح يكون طلوع الشمس ; لأنّه يعرف بالحقيقة أنّ الصبح والضياء من آثار أنوار الشمس