المناهج أنّها تدرك العالم وخالقه عن طريق المفاهيم التي يحصل عليها ، والكمال الذي يصل إليه العالم بها هو « انتقاش النفس بصورة الوجود على نظامه بكماله وتمامه وصيرورة الإنسان عالماً عقلياً مضاهياً للعالم العيني » [1] . وأمّا العارف فلا علاقة له بالفهم والعقل وإدراك المفاهيم والصور ، بل غايته التي يسعى للوصول إليها ، هي مشاهدة جمال الحقّ وشهود حقائق هذا العالم على ما هي عليه ، وليس الكمال الذي يبتغيه هو تحصيل صورة هذه الأشياء ، ومن الواضح أنّ الفرق كبير جدّاً بين من يعرف النار من خلال المفهوم والصورة الذهنية ، وبين من يعرفها من خلال الإحساس بحرارتها والاحتراق بها . والأوّل حال الحكيم المشّائي والثاني هو حال العارف المكاشف . يقول الطباطبائي « قدس سره » : « إنّ العارف هو الذي يمكنه الانقطاع قلباً عن هذه النشأة مع تمام الإيقان باللازم من المعارف الإلهية ، والتخلّص إلى الحقّ سبحانه ، وهذا هو الذي يمكنه شهود ما وراء هذه النشأة المادّية والإشراف على الأنوار الإلهية كالأنبياء « عليهم السلام » » [2] . بعبارة أخرى : إنّ اليقين على ثلاث مراتب ، علم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين ، كما أُشير إلى ذلك في القرآن الكريم : * ( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) * [3] و * ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) * [4] . يقول الآملي : « إنّ تعريف اليقين بحسب التقسيم المتقدّم ، هو أنّ علم اليقين ما كان بشرط البرهان ، وعين اليقين ما كان بحكم البيان ، وحقّ اليقين
[1] الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، مصدر سابق : ج 1 ص 20 . [2] رسالة الولاية ، العلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائي ، منشورات قسم الدراسات الإسلامية ، 1360 ه - : ص 17 . [3] التكاثر : 5 - 7 . [4] الواقعة : 95 .