الأفكار الدينية . وهنا يأتي التساؤل السابق الذي أشرنا إليه في الاتّجاه المشّائي ، وهو هل استطاع علماء الكلام أن يؤسّسوا منظومة عقلية كاملة ومنسجمة ومتقنة ، تكون قادرة على توفير الغطاء العقلي لكلّ الظواهر الدينية المتعلّقة بأصول الدين ؟ الملاحظ في مقام الإجابة عن ذلك : أنّ المدرسة الكلامية لم يحالفها التوفيق في هذا المجال ، ويرجع السبب الأساسي إلى أنّ هؤلاء تعاملوا مع الظواهر النقلية بنحو يرفض أيّ تفسير أو شرح أو نقد لها ، مع أنّها لا تفيد في كثير من الأحيان غير الظنّ ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً ، خصوصاً ونحن نتكلّم في المعارف المرتبطة ب - « أصول الدين » ، والثابت في محلّه أنّ الظنّ ليس حجّة في القسم الأوّل من المعارف الدينية . وكيفما كان فإنّ الاتّجاه الكلامي لمّا فرض أنّ الظواهر الدينية غنيّة عن التفسير والنقد ، حاول أن يستعين بأيّ وجه عقليّ لإثبات تلك المدّعيات ، وحيث إنّه لم يستطع أن يؤسّس المبادئ العقلية اليقينية لإثبات ما هو بصدده ، استعان بجملة من القواعد الجدلية في هذا المجال ، ومن هنا اتّهمت المدرسة الكلامية عامّة أنّ المنهج المتّبع في إثبات مدّعياتها هو الجدل لا البرهان ، وترتّب على ذلك أنّ الغاية التي كان يهدف إليها المتكلّم ; هي إفحام الخصم وإلزامه ، بخلاف الاستدلال البرهاني فإنّ المطلوب منه هو الوصول إلى الحقّ والواقع . 4 - المقارنة بين الاتّجاهين إذا قمنا بعملية مقايسة بين الاتجّاه المشّائي والاتّجاه الكلامي لوجدنا أنّهما يختلفان في المنطلق ، والوسيلة ، والهدف . أمّا المنطلق ، فالاتّجاه الأوّل يؤمن بأن لا طريق للوصول إلى الحقائق