الفضل في تدوينها وتبويبها وإخراجها إلى عالم الوجود ، بالنحو الذي نعرفه من المنطق الأرسطي ، يعود إلى « المعلم الأوّل » . هذا مضافاً إلى دوره في إرساء أركان المدرسة الفلسفية العميقة التي وضع أسسها ، وما تزال عدّة من أصولها وقواعدها خالدة وباقية إلى يومنا هذا ، لم تستطع كلّ العواصف الفكرية والفلسفية أن تنتقص من سلطتها المطلقة على مدى هذه القرون المتمادية . وعندما انتقلت أصول الفلسفة المشّائية من خلال ترجمة الفلسفات اليونانية إلى اللغة العربية ، نجد أنّ فيلسوف العرب « يعقوب بن إسحاق الكندي » كان في طليعة الفلاسفة الإسلاميين ، الذين حاولوا فهم وهضم هذه الفلسفات ، إلاّ أنّ دوره لم يتجاوز الشرح والتفسير بالنحو الذي يجعلها متطابقة مع الأفكار الأساسية في الدين الإسلامي . وهكذا كانت الحركة الفكرية في العصر الإسلامي تمضي في نقل أفكار الفلاسفة السابقين وشرحها ، حتى انتهى الأمر إلى ظهور علَمَين كبيرين في تاريخ الفلسفة الإسلامية هما : « أبو نصر الفارابي » الملقّب ب - « المعلم الثاني » ، و « أبو علي بن سينا » الملقّب ب - « الشيخ الرئيس » أي رئيس المدرسة المشّائية في الفكر الفلسفي في العصر الإسلامي ، حيث استطاع هذان العلَمان تطوير الكثير من الأصول الفلسفية بعد هضم تلك الفلسفات ونقدها ، إلى أن بلغت نضجها وكمالها المطلوب . ولا نبالغ إذا قلنا إنّه لم يكن للفلسفة قبلهما - بصيغتها الجديدة - كيان مستقلّ عن الفلسفة الأرسطية وسائر الفلسفات المنقولة إلى اللغة العربية ، وعلى هذا الأساس استحقّا هذه الألقاب التي أُضيفت إليهما ؛ تعبيراً عن الجهود الجبّارة التي بذلاها في سبيل ترويج الفلسفة والأبحاث العقلية . ونحن لو أردنا أن نشخّص المحور الأساسي الذي يُقام عليه البناء الفلسفي في مدرسة الشيخ الرئيس ، لرأيناه يعود إلى حاكمية المنهج العقلي على