مع ذلك مُحاكٍ للخارج ، وفعلها هذا نسبة وجوديّة ووجود رابط قائم بالطرفين اعتباراً . ثمّ للنفس أن تتصوّر الحكم - الذي هو فعلها - وتنظر إليه نظراً استقلاليّاً مضافاً إلى موصوفه بعدما كان رابطاً ، فتتصوّر وجود المفهوم ، ثمّ تجرّده فتتصوّر الوجود مفرداً من غير إضافة ، فبهذا يتحصّل انتزاع مفهوم الوجود من الحكم ويقع على مصداقه الخارجي ، وإن كانت حيثيّته أنّه في الخارج ، فهي مصاديق له وليست بأفراد مأخوذ فيها مفهومه أخذ الماهيّة في أفرادها » [1] . وقال بعض المعاصرين في شرحه لعبارة العلاّمة الطباطبائي : « وحاصل بيانه : إنّ النفس تنشئ وجوداً رابطاً بين جزئي القضيّة ، وهذا الوجود الرابط من حيث إنّه فعل صادر من النفس وجود خارجي تعلم به علماً حضوريّاً ، ومن حيث إنّه يحكي عن اتّحاد الموضوع والمحمول في الخارج يعدّ مفهوماً ، فهذا الوجود يكون وجوداً بالحمل الأوّلي وبالحمل الشائع كليهما هو مبدأ تعرّف الذهن على مفهوم الوجود ، لكنّه معنى حرفي غير قابل للحكاية عن الوجودات المستقلّة ، فتعمد النفس وتنظر إليه نظراً استقلاليّاً ، كما تنظر إلى الحروف ذلك النظر فتحكي عنها كمعنى اسمي ، كما يقال : ( من ) للابتداء ، وهكذا تنتزع مفهوم الوجود المضاف إلى المحمول ، كوجود القيام ، ثمّ تجرّده عن تلك الإضافة أيضاً ، فتنال مفهوم الوجود المستقلّ كمعنى إسميّ عامّ » [2] . ثمّ إنّنا قد تعرّضنا لهذا البحث بشئ من التفصيل في شرحنا لكتاب ( نهاية الحكمة ) ، وحاولنا أن ندفع جملة من الإشكالات والشبهات التي أوردها بعض المحقّقين على نظرية العلاّمة الطباطبائي في كيفيّة انتزاع مفهوم الوجود ، وتمام الكلام موكولٌ إلى ما سيأتي في محلّه من هذا الكتاب ،
[1] نهاية الحكمة ، محمّد حسين الطباطبائي ، مصدر سابق : ص 257 . [2] تعليقة على نهاية الحكمة ، محمد تقي مصباح اليزدي ، مصدر سابق : ص 389 .