بسبب الاشتراك المعنوي في مفهوم الوجود . وقد أشار إلى هذا الإشكال مع جوابه الفخر الرازي أيضاً في ( المباحث المشرقيّة ) ، حيث قال : « اللّهم إلاّ أن يُقال : الوجودات وإن اختلفت في أنفسها ، لكنّها متّحدة في الاسم ، فبينها مشاركة من هذا الوجه . لكنّا نقول : لو قدّرنا أنّ الواضع وضع لطائفة من الموجودات وطائفة من المعدومات اسماً واحداً ، ولم يضع لكلّ الموجودات اسماً واحداً ، وجب أن تكون المقارنة بين تلك الموجودات والمعدومات المتّحدة في الاسم أكثر من التي بين الموجودات الغير المتّحدة في الاسم ، وصريح العقل حاكم ببطلان ذلك » [1] . ولكن يمكن الجواب على هذا الردّ الذي ذكره الفخر الرازي ; بأن يُقال : إنّ ما ذكرتموه إنّما يصحّ بعد أن ميّز الواضع بين الموجود والمعدوم بألفاظ مختلفة ومتغايرة ، وأمّا لو كان الواضع قد وضع من أوّل الأمر لفظاً واحداً للموجود والمعدوم ، فلعلّنا نشعر بالتناسب والمشابهة بينهما ، ودعوى أنّنا لا ندرك تلك المناسبة في ذلك الحال أوّل الكلام . إذن فالمنبّه الذي أوردوه لدعم الإدراك الوجداني للاشتراك المعنوي ليس تامّاً ، ولكن نفس ذلك الأمر الوجداني تامّ ، ولا يحتاج إلى منبّه من هذا القبيل ، وهذه الحجّة راجحة عند المصنّف على كثير من الحجج والبراهين المذكورة في هذا الباب . هذا تمام الكلام في الدليل الأوّل ، وهو دعوى البداهة والوجدان ، وبعد تماميّة هذا الدليل يتّضح أنّ جميع ما سوف يُورده المصنّف من الأدلّة والحجج على الاشتراك المعنوي ، لا تخرج عن كونها منبّهات ومقرّبات وبيانات لذلك الأمر الوجداني .
[1] المباحث المشرقيّة ، الفخر الرازي ، مصدر سابق : ج 1 ص 107 .