والآخرُ : أنْ لا يكونَ بنفسِ ذلك المعنى بل بواسطةِ معنىً آخر ، فيفترقُ في ذلك ما فيه التقدّمُ عمّا به التقدّمُ ، كتقدّمِ الإنسانِ الذي هو الأبُ على الإنسانِ الذي هو الابنُ ، لا في معنى الإنسانيةِ المقولِ عليهما بالتساوي ، بل في معنىً آخرَ هو الوجودُ أو الزمانُ . فما فيه التقدّمُ والتأخّرُ فيهما هو الوجودُ أو الزمانُ ، وما به التقدّمُ والتأخّرُ هو خصوصُ الأبوّةِ والبنوّة . فكما أنّ تقدّمَ بعضِ الأجسامِ على بعضٍ لا في الجسميةِ بل في الوجود ، كذلك إذا قيل : « إنّ العلّةَ متقدّمةٌ على المعلول » فمعناهُ أنّ وجودَها متقدّمٌ على وجودِه ، وكذلك تقدّمُ الاثنين على الأربعةِ وأمثالِها ، فإنْ لم يُعتبرْ وجودٌ لم يكنْ تقدّمٌ ولا تأخّرٌ ؛ فالتقدّمُ والتأخّرُ والكمالُ والنقصُ والقوّةُ والضعفُ في الوجوداتِ بنفسِ هويّاتِها لا بأمرٍ آخرَ ، وفي الأشياءِ والماهياتِ بنفسِ وجوداتِها لا بأنفسِها ، وسيأتي لك زيادةُ إيضاحٍ في هذا البابِ عندَ مباحثِ التشكيكِ في هذا الكتاب . وقد استوضحَ هاهنا أنّ الوجودَ بحسبِ المفهومِ أمرٌ عامٌّ ، يُحملُ على الموجوداتِ بالتفاوتِ لا بالتواطؤِ مطلقاً .