غيرِه ، وهو متقدّمٌ على جميعِ الموجوداتِ بالطبع ، وكذا وجودُ كلِّ واحدٍ من العقولِ الفعّالةِ على وجودِ تاليه ، ووجودُ الجوهرِ متقدّمٌ على وجودِ العرض . وأيضاً : فإنّ الوجودَ المفارقيَّ أقوى من الوجودِ المادّي وخصوصاً وجودَ نفسِ المادّةِ القابلةِ ، فإنّها في غاية الضعفِ حتّى كأنها تُشبهُ العدمَ ، والمتقدّمُ والمتأخّرُ وكذا الأقوى والأضعفُ كالمقوِّمَين للوجودات ، وإن لم يكنْ كذلك للماهيات . فالوجودُ الواقعُ في كلِّ مرتبةٍ مِن المراتبِ لا يُتصوّرُ وقوعُه في مرتبةٍ أخرى لا سابقةٍ ولا لاحقةٍ ، و لا وقوعُ وجودٍ آخرَ في مرتبتِه لا سابقٍ ولا لاحقٍ . والمشّاؤون إذا قالوا : « إنّ العقلَ مثلاً متقدّمٌ بالطبعِ على الهيولى وكلٌّ من الهيولى والصورةِ متقدّمٌ بالطبعِ أو بالعلّيةِ على الجسم » فليس مرادُهم مِن هذا أنّ ماهيةَ شئٍ من تلك الأمورِ متقدّمةٌ على ماهيّةِ الآخرِ ، وحملُ الجوهرِ على الجسمِ وجزأيهِ بتقدّمٍ وتأخّرٍ ، بل المقصودُ أنّ وجودَ ذلك متقدّمٌ على وجودِ هذا . وبيانُ ذلك : أنّ التقدّمَ والتأخّرَ في معنىً ما ، يُتصوّرُ على وجهين : أحدُهما : أن يكونَ بنفسِ ذلك المعنى ، حتّى يكونَ ما فيه التقدّمُ وما به التقدّمُ شيئاً واحداً ، كتقدُّم أجزاءِ الزمانِ بعضِها على بعض . فإنّ القبليّاتِ والبعديّاتِ فيها بنفسِ هويّاتِها المتجدّدةِ المتقضّيةِ لذاتِها لا بأمرٍ آخرَ عارضٍ لها ، كما ستعلمُ في مستأنفِ الكتابِ إنْ شاء اللهُ .