بالمنهج التعقّلي المحض فيها ، وقد أشرنا إلى إمكان جعل الفلسفة علماً شاملاً لكلّ العلوم البرهانية وجعل موضوعها مطلق الموجود ، ولا يلزم من شئ من ذلك مخالفة عقل أو وحي سماوي » [1] . ولكن هذا الكلام مجرّد دعاوى ، يردّها ما ذكرناه من الضابطة في وحدة الموضوع في العلوم الحقيقيّة ، وأنّه يتمايز موضوع كلّ واحد من تلك العلوم عن موضوع العلم الآخر . ونحن يمكننا أن نؤسّس لهذا الإشكال بنحو يكون موجباً لبطلان ضابطة اختلاف موضوعات العلوم الحقيقيّة ، وهذا ما يعتمد بيانه على ذكر مقدّمتين : المقدّمة الأولى : لقد تقدّم عن الشيخ الرئيس أنّ العارض إذا كان عارضاً أخصّ فهو من العوارض الذاتية ، وأمّا إذا صار عارضاً لأمر أخصّ فهو عرض غريب ، ولكن هذا ما لا يمكن الالتزام به في المسائل الفلسفيّة ، إذ يلزم بناءً على ذلك أن تكون أكثر المحمولات في تلك المسائل من العوارض الغريبة لموضوع العلم . بيان ذلك : إنّ الوجوب مثلاً من العوارض الذاتية للموجود بما هو موجود ، وذلك لأنّه عارض أخصّ من الموجود ؛ إذ الموجود إمّا واجب وإمّا ممكن ، فالوجوب تنطبق عليه ضابطة الشيخ في العوارض الذاتية ، لأنّه عارض أخصّ وليس هو عارضاً لأمر أخصّ ، فالوجود لا يحتاج إلى أن يتخصّص بشئ كي يعرضه الوجوب ، وكذا الحال في الإمكان أيضاً ، فإنّه عارض أخصّ . ولكن عندما نأتي إلى أحكام الوجوب كالغنى والبساطة المطلقة والوحدة الحقّة الحقيقيّة ونحو ذلك من الأحكام ، فإنّها لا تعرض موضوع علم الفلسفة
[1] تعليقة على نهاية الحكمة ، محمّد تقي مصباح اليزدي ، مصدر سابق : ص 7 - 12 .