أحكام الماهيّات الخاصّة ، فالموضوع مختلف في العلوم الثلاثة ، وفي ضوئه يتمّ التمييز فيما بينها . في ختام هذه النقطة نذكر عبارة لصدر المتألّهين مرتبطة بالمقام ، وقد أوردها في حواشيه على الأسفار ، حيث ذكر فيها أنّ الحكمة والفلسفة أفضل علم بأفضل معلوم ، وأنّ الفلسفة من العلوم الحقيقيّة والبرهانية التي يستعمل في تحقيق مسائلها القياس البرهاني ؛ قال صدر المتألّهين : « أمّا أنّها أفضل العلوم ، لأنّ علمها علم يقينيّ لا تقليد فيه ، بخلاف سائر العلوم ، فإنّ بعض مقدّماتها مأخوذ ممّا فوقها على سبيل التسليم والتقليد ، وأقلّ ذلك التصديق بوجود موضوعها ، إذ موضوعات سائر العلوم إنّما يبيّن وجودها في هذا العلم ، والعلم الذي لا تقليد فيه هو أفضل من غيره . وأمّا أنّ معلومها أفضل المعلومات ، لأنّ المعلوم بها هو الحقّ تعالى وصفاته وملائكته المقرّبون وعباده المرسلون وقضاؤه وقدره وكتبه ولوحه وقلمه ، والمعلوم في سائر العلوم ليس إلاّ أعراضاً وكيفيّات وكمّيات وحركات واستحالات وما يجري مجراها . واعلم أنّ فضيلة العلم إمّا بفضيلة موضوعه ، أو بوثاقة دلائله ، أو بنباهة غايته وثمرته ، والكلّ موجود في هذا العلم ؛ أمّا الموضوع فقد علمت ، وأمّا الدلائل فأوثقها وأحكمها هي البراهين المستعملة في هذا العلم ، لأنّ مقدّماتها ضروريّات أزلية دائمة ، فهي المعطية للّمّ الدائم من غير تقييد ب « ما دام الوصف » أو « ما دام الذات » أو غير ذلك ، وأمّا الغاية والثمرة فلا غاية ولا ثمرة لعلم أو صناعة فوق أن يصير به العقل الهيولائي عقلاً بالفعل وأن يصير النوع الحيواني من جملة الملائكة المقرّبين ، وأن تصير النفس الآدمية عالماً معقولاً مضاهياً للعالم المحسوس » [1] .
[1] شرح وتعليقة على إلهيات الشفاء ، صدر المتألّهين ، مصدر سابق : ج 1 ص 19 - 20 .