ثمّ إنّ هناك مقدّمة كبرى مطويّة في كلام صدر المتألّهين لم يتعرّض إليها في المقام ، وهي أنّ المصنّف عندما يقول - كما سيأتي - إنّ موضوع كلّ علم ما يُبحث عن عوارضه الذاتية ، فلا بدّ أن يثبت في الرتبة السابقة أنّ لكلّ علم موضوعاً ، عندئذٍ يقع السؤال والبحث عن تحديد المحمول والعرض الذاتي لذلك الموضوع ، وإلاّ لو لم يثبت أنّ لكلّ علم موضوعاً خاصّاً به - كما ذهب إليه جملة من الأعلام - فلا معنى للبحث في تحديد الضابطة للأعراض الذاتية والمحمولات في كلّ علم ، وهذا ما سوف نتعرّض إلى بيانه في الأبحاث اللاحقة ، والمصنّف قد أخذ هذه المسألة أصلاً موضوعاً ورتّب عليه البحث في المقام . ولكي تتّضح الضابطة الكلّية في تحديد مسائل العلم عموماً ، أشار صدر المتألّهين إلى مقدّمتين لا بدّ من الالتفات إليهما : المقدّمة الأولى : إنّ المناطقة ذكروا في علم الميزان أنّ موضوع كلّ علم هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية . قال الشيخ الرئيس في برهان الشفاء : « والموضوعات هي الأشياء التي إنّما تبحث الصناعة عن الأحوال المنسوبة إليها والعوارض الذاتية لها ، والمسائل هي القضايا التي محمولاتها عوارض ذاتية لهذا الموضوع » [1] . وقال العلاّمة في الجوهر النضيد : « فالموضوع هو ما يُبحث في ذلك العلم عن أعراضه الذاتية ، أعني لواحقه التي تلحقه لذاته » [2] ، وهذه النقطة - كما سيتّضح - وثيقة الصلة بالمنهج المتّبع في تحقيق موضوع العلم .
[1] الشفاء ، البرهان ، أبو علي سينا ، مصدر سابق : ص 155 . [2] الجوهر النضيد ، العلاّمة الحلّي ، انتشارات بيدار ، قم : ص 212 ، ولاحظ أيضاً : كتاب الحاشية على تهذيب المنطق ، المولى عبد الله ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم : ص 18 .