في أنه لا يمكن تعريف الوجود العامّ بحدّ أو رسم وبالجملةِ : هذا العلمُ - لفرطِ علُوِّهِ وشمولهِ - باحثٌ عن أحوال الموجودِ بما هو موجودٌ وأقسامِه الأوّلية ، فيجبُ أنْ يكونَ الموجودُ المطلقُ بيِّناً بنفسِه مستغنياً عن التعريفِ والإثباتِ ، وإلاّ لم يكنْ موضوعاً للعلمِ العامّ . وأيضاً : التعريفُ إمّا أنْ يكونَ بالحدِّ أو بالرسمِ ، وكلا القسمينِ باطلٌ في الموجود . أمّا الأوّلُ : فلأنّه إنّما يكونُ بالجنس والفصل ، والوجودُ - لكونهِ أعمَّ الأشياءِ - لا جنسَ له ، فلا فصلَ لهُ ، فلا حدَّ له . وأمّا الثاني : فلأنّه تعريفٌ بالأعرف ، ولا أعرفَ من الوجود . فمَنْ رامَ بيانَ الوجودِ بأشياءَ على أنّها هي أظهرُ منه ، فقد أخطأَ خطأً فاحشاً . ولمّا لم يكنْ للوجودِ حدُّ ، فلا برهانَ عليه ؛ لأنَّ الحدَّ والبرهانَ متشاركانِ في حدودِهما ، على ما تبَّينَ في القسطاس . وكما أنّ من التصديقِ ما لا يمكنُ إدراكُه ما لَم يُدرَكْ قبلَه أشياءُ أُخَرُ ، مثلَ أن نريدَ أنْ نعلمَ أنَّ العقلَ موجودٌ ، نحتاجُ أوّلاً إلى أنْ نحصِّل تصديقاتٍ أخرى ، ولا محالةَ تنتهي إلى تصديقٍ لا يتقدَّمُه تصديقٌ آخرُ ، بل يكونُ واجباً بنفسِه أوّلياً بيّناً عندَ العقل بذاتِه ، كالقول بأنَّ الشئَ شئٌ ، وأنَّ الشئَ ليس بنقيضِه ، وأنَّ النقيضينِ لا يجتمعانِ ولا يرتفعانِ