متمحّض في الحقّانية أي في الوحدة ، فلا تشغله الكثرة عن الوحدة . 4 . اختلاف مراتب السالكين اتضح أنّ سير السالك في السفر الثاني غير متناه ، وأنّ كلّ سالك يغترف في هذا السفر بحسب حجم وعائه ومقداره ، قال تعالى : * ( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) * [1] . وحيث إنّ الأوعية تحمل بقدر ما أمكنها حمله ، وإنّ الأودية تحمل من الماء بقدر سعتها ، فهذا يعني أنّ المراتب والمقامات سوف تختلف من سالك إلى آخر ، فمقامات أولي العزم والأنبياء والأوصياء والأولياء وسائر السالكين إنّما تتحدّد من خلال هذا السفر الثاني ، وبقدر سير السالك وهمّته في هذا السفر وحجم وعائه وجهاده يتعيّن مقامه ، وكلّما كان السعي حثيثاً والجهاد عظيماً انفتحت أمامه الآفاق والسُبل ؛ قال تعالى : * ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) * [2] . ومن ذلك يتّضح لنا جليّاً السّر في اختلافات مقامات العارفين ، فإنّ مردّه إلى ما بذله السالك وأخذه في السفر الثاني . وينبغي أن يُعلم أنّ الاختلافات في مقامات أولي العزم وسائر الأنبياء والأوصياء والأولياء العارفين وإن كانت تظهر في السفر الثالث والرابع ، إلاّ أنّ السبب الأساسي في ذلك هو مقدار السير في السفر الثاني . قال تعالى : ( انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) * [3] .