وعنه أيضاً : أأنت أم أنا هذا في إلهين ؟ حاشاك حاشاك من إثبات اثنينِ [1] فهو يرى - في البيت الأوّل - ظهور الله تعالى فيه لأنّه آكل وشارب ، ويرى - في الثاني - أنّهما إلهٌ واحد وليسا إلهينِ ، وفي كلمة أخرى كان يقول « أنا الحقّ » [2] ، وإلى غير ذلك من الشواهد . والقائلون بذلك هم من السُلاّك الذين وصلوا إلى مرتبة لا يرون في الوجود أحداً غير الله تعالى ، فهم لا يرون حتى ذواتهم لأنّها فنيت في ذات الله تعالى ، بمعنى عدم الالتفات لها أبداً . ولكنّ هذه المرتبة على سموّها ورفعتها ، تُعتبر من المراحل الحسّاسة والخطيرة في السير والسلوك ، حيث يكون جملة من السلاك عرضة لصدور بعض الشطحات الموجبة - ظاهراً - لكفرهم . ومن الواضح أنّ هذه الشطحات إنّما تصدر منهم وهم في حالة المحو لا في حالة الصحو [3] ، أي حالة الغفلة عن كلّ شئ لا حالة الحضور والالتفات إلى الكثرة . ولا يخفى أنّ الشطحات هي ضرب من كشف الأسرار التي لا يصحّ أن تُعرض لأيّ أحد ، وإنّما لا بدّ من حصر الإفشاء بها إلى أهلها ، أعني من لهم القدرة والاستعداد لفهم ذلك وتحمّله ، وهذا ليس من باب حفظ نفس السالك - وإن كان ذلك مطلوباً - ولكن من باب وضع الشئ في موضعه ،
[1] ديوان الحلاج ، وضع حواشيه وعلّق عليه : محمّد باسل عيون السود ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الثانية ، 1423 ه - ، بيروت : ص 57 . [2] منازل السائرين ، مصدر سابق : ص 18 . [3] الصحو : رجوع إلى الإحساس بعد الغيبة ، والمحو : رفع أوصاف العادة - انظر : الرسالة القُشيرية ، مصدر سابق : ص 144 - 147 .