الذميمةِ وحبِّ الرئاسةِ والإخلادِ إلى الأرضِ والركونِ إلى زخارفِ الأجسادِ .وإنّي لأستغفرُ الله كثيراً ممّا ضيّعتُ شطراً من عمري في تتبّع آراءِ المتفلسفةِ والمجادلينَ من أهلِ الكلامِ وتدقيقاتِهم وتعلّم جربزتِهم في القولِ وتفنُّنِهم في البحثِ ، حتّى تبيّنَ لي آخرَ الأمرِ بنور الإيمان وتأييدِ الله المنّانِ : أنّ قياسَهم عقيمٌ ، وصراطَهم غيرُ مستقيمٍ ، فألقيْنا زمامَ أمرِنا إليه ، وإلى رسولِه النذيرِ المنذرِ ، فكلُّ ما بلغَنا منه آمنّا به وصدّقْناه ، ولم نحتلْ أن نخيلَ له وجهاً عقليّاً ومسلكاً بحثيّاً ، بل اقتديْنا بهداهُ وانتهيْنا بنهيه ؛ امتثالاً لقوله تعالى : * ( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) * ( الحشر : 7 ) .حتّى فتحَ اللهُ على قلبِنا ما فتحَ ، فأفلحَ ببركةِ متابعتِه وأنجحَ . فابدأ يا حبيبي قبلَ قراءةِ هذا الكتابِ بتزكيةِ نفسِك عن هواها ؛ ف * ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) * ( الشمس : 9 - 10 ) .واستحكِمْ أوّلًا أساسَ المعرفةِ والحكمةِ ثمّ ارقَ ذُراها ، وإلّا كنتَ ممّن أتى اللهُ بنيانَهم من القواعدِ فخرَّ عليهم السقفُ إذ أتاها ، ولا تشتغلْ بترّهاتِ عوامّ الصوفيّة من الجهَلة ، ولا تركنْ إلى أقاويل المتفلسفةِ جملةً ؛ فإنّها فتنةٌ مضلّةٌ ، وللأقدامِ عن جادّةِ الصوابِ مُزلّةٌ . وهم الذين إذا * ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) * ( غافر : 83 ) .وقانا اللهُ وإيّاك شرَّ هاتين الطائفتين ، ولا جمعَ بيننا وبينهم طرفةَ عين .