وأهلَه ، وانصرفوا عن الحكمةِ زاهدينَ ، ومنعُوها عاندينَ ، ينفّرون الطباعَ عن الحكماءِ ، ويطرحونَ العلماءَ العرفاءَ والأصفياءَ . وكلُّ من كانَ في بحر الجهلِ والحمقِ أولجَ ، وعن ضياءِ المعقولِ والمنقولِ أخرجَ ، كان إلى أوجِ القبولِ والإقبالِ أوصلَ ، وعند أربابِ الزمان أعلمَ وأفضلَ .< شعر > كم عالمٍ لم يلجْ بالقرعِ بابَ منى * وجاهلٍ قبلَ قرعِ البابِ قد ولجَا < / شعر > وكيف ورؤساؤهُم قومٌ عُزْلٌ من سلاح الفضلِ والسدادِ ، عاريةٌ مناكبُهم عن لباسِ العقلِ والرشادِ ، صدورُهم عن حليّ الآدابِ أعطالٌ ، ووجوهُهم عن سماتِ الخيرِ أغفالٌ .فلما رأيتُ الحالَ على هذا المنوالِ ، مِن خلوِّ الديارِ عمّن يعرفُ قدرَ الأسرارِ وعلومَ الأحرارِ ، وأنّه قد اندرسَ العلمُ وأسرارُه ، وانطمسَ الحقُّ وأنوارُه ، وضاعتِ السيرُ العادلةُ ، وشاعتِ الآراءُ الباطلةُ ، ولقد أصبحَ عينُ ماءِ الحيوانِ غائرةٌ ، وظلّتْ تجارةُ أهلِها بائرةٌ ، وآبتْ وجوهُهم بعد نضارتِها باسرةً ، وآلتْ حالُ صفقتِهم خائبةً خاسرةً ، ضربتُ عن أبناءِ الزمانِ صفحاً ، وطويتُ عنهم كشحاً . فألجأني خمودُ الفطنةِ وجمودُ الطبيعةِ لمعاداةِ الزمانِ وعدمِ مساعدةِ الدوران .إلى أن إنزويتُ في بعضِ نواحي الديارِ ، واستترتُ بالخمولِ والانكسارِ ، منقطعَ الآمالِ منكسرَ البالِ ، متوفّراً على فرضٍ أؤدّيه ، وتفريطٍ في جنبِ الله أسعى في تلافيهِ ، لا على درسٍ ألقيه ، أو تأليفٍ أتصرّفُ فيه ؛ إذ التصرّفُ في العلوم والصناعاتِ ، وإفادةُ المباحثِ ودفعُ